نصوص أدبية

عرض جديد مختلف تماما

qusay askarبائعو التذاكر أجابوا من وراء الزجاج بهزات من رؤوسهم دون ان ينطقوا بحرف، كانوا يؤكدون صحة الإعلان الكبير على الواجهة عند المدخل الرئيس لدار العرض، ثم ان اجواء صالة الاستراحة التي يركن اليها الجمهور قبل العرض بما فيها من لوحات جدارية واسعة ملونة، وسيارة الإسعاف وطاقمها من أطباء وممرضات لم يكن احد منهم يتكلم سوى بابتسامة عريضة ذات معنى كل ذلك يؤكد ان مايجري بعد قليل على الشاشة داخل الصالة سيتحقق فعلا، فقد تطورت حقا طرق عرض الشريط المعلن عنه اذ وضع مصمموه والمهندسون والمخرج في الحسبان مساهمة الجمهور من حيث يدري او لا ببعض اللقطات لذلك، مادامت التجربة في بدايتها فعلى الجمهور ان يلتفت الى ان هناك شظايا من مسدسات رعاة البقر المتقاتلين فيما بينهم ربما تصيب بلا شك عن غير عمد بعض المشاهدين بجروح طفيفة.

لاشك ان هناك من رأى تداخلا بفعل التطور العلمي بين الشريط المألوف وقرص مدمج حيث امتزج الخيال والواقع والصورة والحقيقة، وهناك من عد الخبر اسلوبا جديدا لبيع اكبر عدد من التذاكر واخرون جمحت بهم الذاكرة الى خيالات ابعد في حين تذكر طرف ثالث تجارب سابقة لصالات محدودة اثارت مشاهد العروض فيها حاستي الشم والذوق عند الحاضرين.

بدا للوهلة الاولى إقبال الجمهور باهتا، ثم اتضحت الأمور بعد نهاية الشريط، وخروج المتفرجين اذ كانت هناك اثار إصابات على عدد منهم. غادر من سلموا من شظايا الرصاص منبهرين بالتقنية الجديدة وكانهم في حلم ، ما اجمل ان تجرح من البطل فيبقى الوشم في جسدك علامة على عبقرية مهندس يغير لمحة من الخيال الى واقع وما أسعدك حين تصيح بالطل : احذر المجرم تسلل من خلفك عندئذ الاحرى بك ان تقبل ما تناثر عليك من رصاص او طعنة يفاجؤك بها ممثل شرير اما المصابون أنفسهم فلم يغضبوا او يتسرب الخوف الى نفوسهم بل انهمك طاقم الإسعاف بعلاجهم... كان الجميع يراها تقنية جديدة تجعل المتفرج يساهم في احداث الشريط ، فلا بد من ان يكون الخبراء حسبوا الف حساب لمفاجآت اخرى، حتى ان الكثيرين تساءلوا ماذايحدث لو سقط البطل برصاصة طائشة من مكان ما او قتله عن طريق الخطا احد الحاضرين.

راح بعض الذين اصيبوا خلال العرض الاول يتحدثون، مع أنفسهم، عن أخذ للثار، وفكر غيرهم ممن لم يتعرضوا لاي ضرر ان يغيروا مقاعدهم ليروا ما يحدث بعدئذ ..كل يفكر بطريقته الخاصة ويهم ان يشاهد الشريط مرة اخرى ...قبل العرض الاخر ازدحم الناس بصورة لا تصدق، التذاكر بيع اغلبها في السوق السوداء، عدد من النظارة استعدوا لأسوأ الاحتمالات فاحضروا معهم خفية سلاحا قد يحتاجونه عند الضرورة...كانت هناك معركة بين ابطال الشريط وبعض المشاهدين الذين سقط، منهم هذه المرة، قتلى وجرحى من رصاص الممثلين او خطا .. في النهاية تحرك طاقم الإسعاف ليؤدي واجبه في حين راحت مجموعة اخرى كثيرة العدد تنتظر دورها الآتي لمشاهدة الشريط.

 

فراغ

إزدحام.

طابور طويل يندلع من شباك التذاكر إلى الرصيف. كان يزرع خطواته على الأرصفة وحيدا كما لو بدت الشوارع صروحا من خواء، وهذه البقعة وحدها فقط تكتضّ بالحركة وتعجّ بالأصوات، فيأخذ دوره بينهم. يقطع تذكرة، ثمّ يدلف إلى الداخل.

لا يهمّه أن يعرف ماتعنيه القصة التي جذبته إليها. المهم هرب من الصمت والخواء، لحظات يطبق ظلام، فيصمت الحاضرون، وتمرّ حزمة ضوء تحاذي السقف فتستقر على الشاشة البيضاء، فيبدأ العرض.

وجه امرأة يكبر. يظهر وجه رجل. رجل وامرأة يلتقيان عاريين في حقل مليء بالزهور والسنابل والطيور.عالم غريب حيوانات أليفة عن قرب وحوش كاسرة وطيور صغيرة تحلق قرب نسور وشواهين.جرذان قطط، أفاع. لاأحد يؤذي الآخر. المرأة تمدّ يديها إلى الرجل. بسط يديه وضمها. الان...يضطجعان ...أخفتهما السنابل.

دقائق...

انقلبت الصورة. تغيّر المشهد تماما. اختفى الحقل، وفرت الطيور. هربت الحيوانات.ظهر أشخاص ملثمون يحملون أسلحة متباينة.آلات لايجمعها زمان مفهوم. سيوف..خناجر..سكاكين رماح.. مدافع.. طائرات..بنادق ..جنود بملابس عصرية يحملون أسلحة قديمة، وآخرون من العصر الحجريّ يصعدون طائرات.حلّ في القاعة صمت مطبق لم يسمع به من قبل.كان أقسى من الخواء الذي أتعب قدميه قبل أن تقوداه إلى ساحة العرض هذه مسمرا في مكانه.

فجأة...

غادرت عيناه العرض. التفت وسط النور الخافت، فلم ير أحدا من الحاضرين. جاء معهم وانسلوا ولم يشعر بهم! كان هو الوحيد الذي يشهد العرض المثير. راوده خوف وهو يرى الأسلحة تتصوّب نحوه...لم يكن أمامه أيّ خيار آخر. سوى أن يقفز من مكانه ليتحسس طريقه إلى الخارج، وفي اللحظة التي كانت يده تدير مقبض الباب صدرت صيحة قوية من أحد أفراد العرض، فانطلقت الأسلحة جميعها بوقت واحد..اختلطت السيوف والرماح والسهام بالطائرات والمدافع والرشاشات. أمّا يده فظلّت تمسك بمقبض الباب بعض اللحظات فقط.

 

قُصي الشيخ عسكر

في نصوص اليوم