نصوص أدبية

الكروان

souf obidمَرقتُ بين الرياح والأنواء

 أشرفتُ على المُنتهى

 


 

 الكروان / سُوف عبيد

 

 لصَيدِ الكرَوان

 سألتُ شيخَ الصيّادين قال

 أَتتركُ اليمام والسُّمان والحُبارى والقَطا

 قلتُ : إمَّا الكروان وإمّا فلا

 صَوّب النّظرَ إليّ قال

 ـ الكروانُ

 طائرُ البراري النّائية

 عُشّه في أعالي الجبال

 لا يلتقط رزقه إلا في الفجر

 أو عند الليالي المُقمرة

 تراه يحُط من عَل على السّباسب

 بجناحين كمِثل المِروحة في حَفيف واِنسياب

 من منقاره الدّقيق يشدُو بصوت

 لا هو بهديل لا هو بتغريدٍ ولا زقزقة

 إذا اِستمعتَ يوما فأنصتْ

 كالمَعين في رَقرقة

 إنْ رُمتَ له صيدا

 لا الشِّباكُ ـ هيهاتَ ـ إليها يسعى

 حيثُ لا تُغريه الفُتاتُ

 نحوه تُرمى

 لا الفخُّ يقع فيه ـ إليه يُنصَب ـ

 عينُه الصّفراءُ الصافية بَصَرٌ

 وبصيرة

 لا النّبل يُصيبهُ

 قبل أن ينُوشَه يَنعطف بجناحيه

 عاليًا وبعيدا

 قلتُ

 ولا حتّى يصيبُه رصاصٌ

 قال

 أوَ يهُون عليك الكروانُ

 حسِبتكَ لستَ مِثل النّاس؟

 خَجِلتُ واللّه من الشَّيخ

 ولم أسأله عن السِرّ في بَيْض الكَروان

 ...وما قِيل فيه مِن الباهِ والبهاء

 ***

 كانت لي ليلةٌ

 هيّأتُ جوادي وزادي

 بعدما نلتُ غَمضتين اِنسللت من القوم

 أوَلّي وجهتي عُشّ الكروان

 عبر المسالك والشّعاب أسري

 أسبوعٌ مضى

 أمسيتُ في الخلاء

 حيثُما اِلتفتُّ

 لا شجرٌ لا طير

 إلا الغبراءُ والصّلداء

 قلتُ: هنا أقْضي ليلتي

 أستريحُ ويستريح الجوادُ

 وإنّ غدًا لناظره قريبٌ

 نزعتُ عن جوادي اللّجام

 علّقتُ له المِخلاة

 نصيبي حفنةُ تَمر وسَويق

 جعلتُ السَّرج وسادةً

 بُرنسي فِراشًا وغطاء

 ***

 ما كدتُ أُسْلِم الأرضَ جنبي / نِمتُ

 رأيتُني في ما يرى النائم

 يحُفّ بي سِربُ الكروان

 يُمسك كل طير بمنقارهِ من طَرف البُرنس

 ويُقلع بي

 سُرعان ما رأيتُني سابحا في الجِواء

 بين أجنحةِ الكروان أطير

 أرفرفُ

 عاليًا عاليا / بعيدا بعيدا

 أنساب مع الرّيش والنّسيم

 رَقِيتُ الهضاب / الجبال / السّحاب

 مَرقتُ بين الرياح والأنواء

 أشرفتُ على المُنتهى

 ثمّ رأيتُني رُويدا رويدا أنزل

 كأنما تُهدهدني أرجوحة

 إلى أن وطأتْ قدماي كمثل بساط وردٍ وزهر

 رأيتُ ما رأيت

 رأيت التي بالأحضان عانقتني

 في لمستها كمثل كفّيْ أمّي

 مسحتْ رأسي وعلى صدري

 في رقّتها وعذوبتها كمثل قَطر النّدى

 ينثال

 في لحافها دثّرتْني

 بكَيتُ...بكيت

 حتى رأيتُ الأمطار والأنهار والبحار

 تغمرُ بسلام البراريَ والسّباسب والصّحراء

 الأرضُ عادت جنّاتٍ

 رأيتُ ما رأيت

 رأيت جميع خَلقِ العصافير والطيور

 تُرفرف حولها

 بعضها يشدُو

 بعضها يُغرّد

 بعضُها يُزقزق

 رأيتُ ما رأيت

 رأيتُ زوجين من الكروان يُحلّقان نحوي

 حَامَا حولي سَبعا

 ثم حطّا على كتفيَّ

 وطفِقا يَخصفان عليّ من ريشهما

 ويُسمعاني أغنيةً من أعذبِ الألحان

 لكأنّي بهما يُرفرفان بين يديّ

 ينسُجان عُشَّهما بين أصابعي

 ـ كنت ألامسُ الحرير ـ

 وهُما في رقص وحُبور

 ووئام واِنسجام

 كم مضَى من الوقت

 لستُ أدري

 ***

 عندما أكملا العُشّ

 طافا حولي سَبعًا

 ثم~ طارَا

 أَفَقتُ وهَممتُ بالوقوف

 فإذا ريشةٌ

 على رأسي

 وبَيضةٌ من ذلك العُشّ

 في يدِي

 

في نصوص اليوم