نصوص أدبية

وجوه (26): عمائم مزيفة

salim alhasani2تعرضوا للقتل على مدى قرون، كان السلاطين يوصون أبناءهم، أن الحكم لا يدوم إلا بقتلهم، فهم غِرْس أبي تراب، وعشّاق ابنه المقتول. إن لديهم شعارات لو عرفوا معانيها فلن يدوم لكم بعد اليوم عرش ولا صولجان، فحيلوا بينهم وبين معانيها، ولا توقفوا القتل فيهم أبدا.

أجمع السلاطين في الآفاق أن ما بين النهرين موطنهم الأقوى، ففيها الأضرحة المقدسة، ومنبع علمهم، منها يجددون قوتهم، يظهر بين عقد وآخر رجل يوحد صفوفهم، ينفخ فيهم القوة، يشدّهم للشعارات، يفك معانيها، فيوشكون أن يمسكوا الأمور بثورة أو انتفاضة، فإنْ ظهر فيهم أحد من هؤلاء فاقتلوه غيلة أو اصلبوه على خشبة، ليدوم لكم الملك.

 ...

مرّ الزمان بطيئاً وسريعاً، تغيرت الأحوال، وأصرت امبراطورية البحار على غزو البلاد، فجاءت جيوشهم وأزالت تمثال النحاس. فاستبشر الفقراء خيراً، وقالوا إن أزمنة الخوف انتهت، وسيحكمنا رجال منا، فينشرون العدل بعد أن أوجعهم الظلم.. لكنها كانت أمنية خائبة، فقد كان الزعماء لصوصاً يكبر فيهم الجشع كل يوم.

 ...

هاجت مملكة الشر، فاستعانت بشيوخ الرمال يفتون بقتلهم، وأعدت مسوخ الموت من كل المكان، مخلوقات منزوعة القلوب، تلتهم البارود فلا تشبع، لها عين واحدة، وأذن واحدة، رؤوسها محشوة برماد ملعون، هو مما يحرق به الشيطان فضائل البشر، لها لحىً شائكة يعلق بها الشر، فترتشفه بين حين وحين، تعصب جباهها بخرقة نتنة، ترفع رايات مقلوبة، تردد ما يقوله شيوخ الرمال. ونصّبوا عليهم كبيراً تسمّى باسم أول الخلفاء، ومضى عماله وأمراؤه على سيرة الأولين قتلاً في الناس وتشريداً، يطلبون البيعة بحد السيف، ومن كان من شيعة أبي تراب، فلا ينجو من الموت ذبحاً.

راحت مملكة الشرّ، تصنع المزيد من المسوخ، ويلقّنها شيوخ الرمال شعوذة الموت، فينطلقون نحو بلاد النهرين وقد هاجوا بالحقد، يلتهمون البارود، يندفعون بين الناس، يتخيرون الفقراء ثم يحدث القتل الرهيب.

 ...

كان الفقراء يُقتلون كل يوم، فيما ينعم الزعماء اللصوص بالأمان داخل أسوارهم العالية، فصار الناس بين جوع وموت.

لجأوا الى زعمائهم يشكون الحال، لكن الزعماء يزيد الجشع في نفوسهم، فكانوا يرون في مملكة الشرّ بريق الذهب، فزحف بعضهم زحفاً نحو موائدها، وتستر الآخر بألف حجة من أجل نيل رضاها، إنه زمن المال جاء عليهم، أحبوه كحبهم أنفسهم بل أشد حباً، يلعقونه بألسنتهم فيزيدهم عطشاً، وإذا رأوا فقيراً أو سألهم صاحب حاجة، أصابهم الغم، فلا يتحسن مزاجهم إلا بسرقة جديدة. وكان أكثرهم حباً للمال وأشدهم مداراة لمملكة الشرّ أصحاب العمائم، فقد تنعموا بالسيارات والطائرات والقصور والقلاع. تقاسموا الأتباع فيما بينهم، وخدعوهم بقداسة مسروقة، فنالوا المنزلة عندهم، وتحولوا الى آلهة يعبدونهم من دون الله، فنحتوا لهم التماثيل في بيوتهم وحاراتهم.

 ...

هتف فيهم رجل أحنت الذكريات ظهره:

ـ يا قوم، هذه العمائم لها كرامة، فلا تدنسوها، فتلحق بكم لعنة الأجداد.

أجابوه بصوت واحد:

ـ هي إرثنا، وبها نعيش ونبقى. أكتم صوتك أو أصدع به، فلن يضرنا شيئاً، إن الأتباع يصابون بالصمم حين يرونها على رؤوسنا.

توجه نحو الفقراء ينصحهم:

ـ يا جموع الفقراء، دعوا عنكم الاصنام البشرية، تدبّروا مع أنفسكم ساعة، ستجدونهم سُرّاق لقمتكم، وهذه عمائمهم مزيفة مسروقة.

أشاحوا بوجوههم عنه، قال رجل سوء:

ـ دعوه، فما لنا سوى أصنامنا، فهم من آل فلان، ورهط فلان، وجمع فلان.. تمسكوا بهم لا يضلنّكم هذا وأمثاله عن عبادتهم، وستجدون كل حزب منكم بما لديهم فرحين.

لها تتمة

 

سليم الحسني

 

في نصوص اليوم