نصوص أدبية

مقالي إلى العُذّال

MM80وبُشرى من البُشْرَات في قطرة الندى

تجدد إخلاصا وعهدا على الوفا

 


 

مقالي إلى العُذّال

في حُب أندلسي

سمير خلف الله

موشح في البحر الطويل

 

مقالي إلى العذّال في الحب والهوى

فؤادي بحب أندلسي قد اكتوى

بإلفي، زمانُ الوصل قلبي قد انتشى

وبالربض ربضُهم، وبكل ما احتوى 01

فآهٍ أيا عينَ الغزال ويُوبا

فسبيكة الحمراء عادت طروبا 02

رأيت من الغرام فيها ضروبا

ترى أين مني من حمل الكروبا

هيامي بمن تحيكُ ليَ الخضوبا

من الشعر، في دربي وتدنى الطيوبا 03

وفي تلكم الأكداد حلتْ بها حَلا

وفيها لها غنى وغازلها الفتى

وإني على درب له واضع الخطى

إلى يوم زفِّ الروح في هودج الرّدى

بقلبي لها ذكرى كآسٍ وفاحا

عليها بكى معي اليَراعُ وناحا

وها إنها عادت مُدَاما وراحا

بكاسات أشعاري وحُبّا بَرَاحا

فيا ليت زرياب يُعِيرُ الجناحا

فأنزِلُ روضا، عاش فيه وساحا

وهيهات أن يكون للقول من صدى

وبيني وبين الخِلِّ هُدّمَتِ العُرا

فيا قلبيَ العاني إياك والمنى

فلا اليومَ إياب لساكنة الثرى

وإني كأيتام بدربٍ حيارى

فلا الوالد الحاني أهَلَّ وزارا

ولا الشمس أهدت جبةً أو ثمارا

ولا البدر يدني قبسا أو فنارا

إذا لم أرَ زهراءَ أهلي ودارا

إذا لم أر المرسى لهم والمنارا 04

وإني كمن ضاجع خِلا وما ارتوى

فيبقى نديمَ الذكرى أو لمَا اشتهى

وإني أخو يعقوب عنده رجَا

وقد أهْدَتِ الأيام ما كان يُرتجى 05

وإني كمن شدوا عليه الوثاقا

بمنفى وأحكموا جدارا وطاقا 06

وما زاده أسىً، كأن الرفاقا

تناسوا هواه واستطابوا الفراقا

فلا الهدهد امتلكت ولا البراقا

لأبعث أشواقا وأحمل ساقا

سأبقى على الميثاق والعهد والولا

فلا البين يُنسيني ولا الأهلُّ والضنى 07

وكيف سأنسى من تجول كما الدما

وتجري بشرياني وتسرى كما الهوا

 

هي شعلة النار نَأَتْ عن زِيُوسَا

وحطتْ على كفّى فعادت عروسا 08

فتأسر فرسان سلا والمجوسا

وورداتُ آشي تسترق النفوسا 09

لها المَهر نعطي جِيدَنا والرؤوسا

ودون العدا الأبدانُ تغدو التروسا

فشكرا إله الكون، حمدا على الطلا

فسفري أنا لن يعرف بعدها الطُوَى

ستبقى كما الأشماس في صفحة السما

تُرى أين منها مصرَ والشامَ والرَّها

وكيف سأنسى طيفها الغويّا

ودرب لطارق أراه نديّا 10

وغصن لزهرياتِ لا زال حيّا

ونوحُ المحاريب ينادى عَليّا 11

ودوح التواشيح تغنّى الثريّا

وَرُوح لقزمان توحي الرويّا 12

فعنّي عروق الماس والتّبْر والنسا

وكل الذي بين الأرضين والسما

ودَعَوا ليَ الأحلام وأختها الرؤى

أمَا بيدي ألواحُ موسى مع العصا

بقلعة أيوب تلاقيتُ غيدا

أنارتْ بسيطا لي وغرّتْ صعيدا 13

وفيها لنا العجفاء غنّتْ مديدا

تمنّتْ لنا عمْرا ونحْبا سعيدا 14

وأهدى لسان الدين غصْنا غرِيدا

وأهدى أبو عَمْرٍ عقدا فريدا

سنَرجَعُ يوما يا طليطلة الأَليُ

وفي نهر تاجُو يُغسلُ الحزب والأسى 15

مع الداخل النخلاتِ نغرس في الربا

فنُحي بها وادي الحجارةِ والقرى 16

أمَا عانقتْ فيها الرَّباب الدّفوفا

وعانق فيها النَّأيُ مثلي الحروفا

فكنا إذا جئنا، نجيء القطوفا

من الخلد هم قد أنزلوا السّقوفا 17

فعادت قصور شالَ تبدو كهوفا

وكل الذي قد زار قال زيوفا 18

فمهلا فما كسْفُ النجوم هو البَلى

ولا في خسوف البدر وَصْلِي قد انتهى

وبُشرى من البُشْرَات في قطرة الندى

تجدد إخلاصا وعهدا على الوفا 19

وحاذتْ بها صُبْح غزالا شرودا

وحاكتْ بها اعتماد ضبيا غنودا

وألقتْ أمامي ثغرها والحدودا

وزادتْ وأيقضت حِيالي الفهودا

ولولاك خالقي لنالت سجودا

وصلّيتَ نحوها أتلو القدودا

فلبيكِ يا نجوى لنا قالت الخطى

وبالليل قبل الفجر القلب قد سرى

كما ملمس الحرير أبكارها تُرى

وسرب طواويسٍ يعانق للقطا

 

ألا كيف لا أغدو إليهم سميعا

وفي أذني يلقون سحرا بديعا

ألا كيف لا أغدو إليهم تبيعا

وفي نظري يلقون فنا رفيعا

ومنهم أراجيزُ تضاهى الربيعا

فأمسيتُ منها مثل قيسٍ صريعا

وتردي لمن قد حاز لبّا مع النهى

فيغدو شهيد العشق والحب والجوى

ومن كان جبّارا و مُسْتَحْكَم القوى

ومثلي أنا تهزمه نفحة الصَّبَا

سأبقى كما يحي الغزال وسيما

بعشقي لها وحاتمها الكريما 20

سأبقى كما ياهُو وعيسى كلِيما

أقول أناجيلا ونظما رخيما 21

وتبقى هي عشتار تُحي الرميما

ومن نسل داوود تصُوعُ الحكيما 22

وذاكم أنا والناس والخلق والورى

لكلٍ هوى يُهدي له سُلمَ العُلا

فيغدو كما القهّار ربّا على الدُّنا

يقيم فراديسا وسدرة مُنتهى

 

.....................

01 - زمان الوصل: التعبير مقتبس من عنوان موشح زمان الوصل الشهير للسان الدين بن الخطيب

02 - عين الغزال هو ولدي الغالي بوعجيلة بلال بارك الله فيه لوالديه، أما يويا فهو تحفتي الغالية وولدي بوشعير أيون هدية رب السماء لنا وتحببا له نناديه يوبا ويُوبا هو اسم لملكين بربرين عاشا قبل الميلاد بفترة وجيرة.

03 - الخضوبا: هنا كناية عن ذلك الصرح الفريد من الإنتاج الفلسفي والأدبي والعمراني الذي شاده أهل الأندلس والذي لن يضاهيه أي منتج بشري آخر , وعلى رأسه قصر الحمراء وابن رشد. علما بأن الخضوب في اللغة هي الجديدُ من النبات يُمطَر فيخضّر فيريح العين ويضفي على النفس بهجة

04 - الزهراءَ: مدينة عبد الرحمان الناصر الأميرية بضواحي قرطبة عاصمة الخلافة الأموية بالأندلس

05 – هنا توظيف لقصة يوسف ويعقوب عليهما السلام

06 – الطاق: ما عُطف وجُعل كالقوس من الأبنية

07 – في هذا البيت استحضار لابن زيدون الشاعر الأندلسي الشهير

08 – هنا توظيف لأسطورة بروميثيوس وشعلة النار والتي سرقها من كبير الآلهة زيوس ومنحها للبشر فكانت سبب نكبته

09 – المجوس المقصود بهم هنا الفايكنْغ أو النورمان الذين غزوا الأندلس في العام 360 ه

10 – طارق ابن زياد وفاتح الأندلس

11 - الزهرياتِ: القصائد التي تُنظَم في وصف الزَّهر

12 – ابن قزمان: من أشهر شعراء الزجل في الأندلس

13 – قلعة أيوب: مدينة في شمال شرقي طليطلة بناها أيوب بن حبيب اللخمى والى الأندلس الثاني عام 97 ه / 715 م / البسيط مدينة في وسط الأندلس التاريخية

14 – العجفاء: شاعرة أندلسية

15 – تاجو: أطول نهر بالأندلس يصب في المحيط الأطلسي

16 – الداخل: عبد الرحمان الداخل وصقر قريش – وادي الحجارة مدينة بالأندلس

17 – هنا توظيف للتعبير القرآني " في جنة عالية قطوفها دانية " والمعنى أن ثمار ومنازل أهل الأندلس نزلت من الجنة ولم يبنها البشر كغيرها من المنازل لما فيها من جمال يحبس الأنفاس

18 – شال: المقصود به قصر الإمبراطور شارلكان والذي بناه كغريم لقصر الحمراء فجاء مسخا بجانب هذا الأخير

19 - البُشْرَات: سلسلة جبلية بالأندلس

20 - يحي الغزال: يحيى بن الحكم الجياني الشاعر والسفير الأندلسي الشهير / حاتم: الطائي الشاعر الجاهلي الشهير بجوده وبكرمه

21 - ياهو بن حَناني من أنبياء العهد القديم ورد ذكره في سفر الملوك / عيسى ابن مريم عليهما السلام / الرخيم: العذب

22 - عشتار: إلهة الحب والجمال عند البابليين / داوود النبي عليه السلام / الحكيم المقصود به هنا النبي سليمان الحكيم عليه السلام

 

الطارف / الجزائر

 

في نصوص اليوم