نصوص أدبية

كوابيس مدينة غارقة في نومها

hashem mosawi يا لأقداري البلهاء.. تلك التي قادتني لأن أزور مدينة، كنت قد سكنتها قبل نصف قرن من الزمان. أصابتني الحيرة، وصرت متسائلا: هل أنني تغيرت كثيرا، أم أن هذه المدينة، قد إستكانت الى قدرها مثلي، وتغيرت كثيرا حتى كأني لم أعد أعرفها...الحروف التي غرستها المسامير على طينها لم يعد بأستطاعتي قراءتها... والجمل المكتوبة على جدرانها المتهرئة شاخت، حتى صارت باهتة مثل وجوه أهلها. ليس في هذه المدينة من يعرفني غير شظايا متبقية من صوت ريح، يشاغب سعفات نخيلها الميتة.

لم أجد على إسفلت شوارعها سوى آثار أقدام لجياع لاهثين... شعرت بأن عقلائها و أئمتها قد تركوا الدين والدنيا، وإعتكفوا في زواياهم، منتظرين أمر الله. حتى الجنادب التي كانت تقتات على نمل الشتاء إختفت من بيوت وطرقات المدينة... وعلى أرصفتها بات يجلس بعضا من الشحاذين ودميات الشعراء والأدباء المتسكعين والمتغلفين بعباءات وأدعية الدين، والباعة المبحوحة أصواتهم، كلهم يتهامسون، معبرين عن حسدهم لمن ماتوا ومن تركوا البلاد.

تيقنت آنذاك أن أول شهقة لميلاد الحياة، لا بد أن تكون قد أطلقت هنا في هذه المدينة الكاهلة، ولربما ستكون النهاية والنشور فيها. وأن من تبقى من أهلها، ما هم إلا بقايا من نسل نوح، وقد فاتهم أن يموتوا.. ولكن شوق الذماء* ظل يأز في أذانهم.. ألا مفر من البقاء.

 

الذماء: آخر بقايا الريح قبل الممات

 

د. هاشم عبود الموسوي

 

في نصوص اليوم