نصوص أدبية

تحليقٌ الى الأسفل

jawadkadom gloomليتك بلا خوافي، بلا قوادم

لتقع مرة واحدة وتغيب

 


 

تحليقٌ الى الأسفل / جواد غلوم

 

مرّ عمري الأعرج بثقالهِ وخفافهِ

حملْته عبئا وحملَني وهناً

لم يركب دابّة تصهل ولا عربة مرخّصة

امتهنُ التحليق في الأعالي

أبسط جناحيّ لأضمّ بيضة الجمال

آملا ان تفقس وجها جميلا، قصيدة بضّة

طفلة ألاعبها، أهزّ مهدها حنوّا

قُضِي الأمرُ والعمر وأسفرَ الفجرُ وأنا احتضن وليدي

أمضي من سفرٍ إلى سَـقَـرٍ

من هـلَعٍ الى وجـعٍ

مرارا تحييني الشمس بِـدفْــئِـها

قليلا ما تلسعني بسعيرها

ظمآنٌ أنا، لا حوض لي الاّ الخضم المديد

كيف لي ان ألْـقى قطرة مائي النقيّة

في هذا البحر الأجاج والزبد العريض الكاسح!!

كيف لي ان أظفر بنبـتـتي المفعمة بالعافية وسط كل هذه السموم!

كيف لي ان أطأ سهلا معشبا

أمام كل المنعرجات والأودية المخيفة!

أمشي على الجمر مثل سيخيٍّ مثقلٍ بالذنوب

أتقلى في حممٍ، أفور بين فقاعات البركان

وأعجب كيف أموت بردا في الزمهرير

خطئي أنني راهنت على جَـواد منهك

أفلستُ صفراً تنحّى باتجاه الميسرة

من هم أصفار الميمنة سوى اللصوص ومتاجري البشرية؟

لم يبقَ الاّ الشعر زائرا عابرا يأتيني لماماً

يدخل خلسةً، يضع لثاما لئلا يفضح وجهه

فأغلق نافذتي، أتسامر معه برهة

نهزج معاً، يشتمني وأشتمه ضاحكَين

أقفز على السرير مثل فأرٍ مرحٍ في مكانٍ آمِـن

حتى يوّلي الأدبار مودّعا كعاشقٍ يطارده العاذلون

فأعود كسيرا، أطرق ألف باب مغلق ولا أحد يجيب

أنادي الربيع متوسّلا ؛ فتسّاقط أوراقه الخضر عناداً

أفتش في الريح لعلّ سلاما منسياً يبعثه أولادي

أنبش في حاسبتي لعلّ ذكرا يشير إليّ

ضحكة تائهة تأوي في سكوني

كتاباً يغمرني بفيضـهِ

لا بشارة سوى أملٍ مضرّجٍ بالدماء

أيها الشاعر العجوز

كفاك عنجهيةً ومكابرةً وأنت الهزيل

كثرت سقطاتك كلما قويَ جناحك

ليتك بلا خوافي، بلا قوادم

لتقع مرة واحدة وتغيب

"تأوّبني دائي القديم فـغـلّـسا --- أحاذر أنْ يمتدّ دائي فأنكسا

       فلو أنها نفسٌ تموت جميعها -- ولكنها نفسٌ تُساقطُ أنـفسا" (*)

 

....................

*) البيتان الأخيران من قصيدة منسوبة لأمرئ القيس

 

في نصوص اليوم