نصوص أدبية

فاطمة الزهراء بولعراس: أمل يشرق (1)

fatimaalzahraa bolaarasتتجمع الأشواق لتتفرق على مدى الأمكنة التي يرتادها فلذات الأكباد.. وعندما يحترق الفؤاد بلظى الحنين تجد لسانك يلهج بذكر تلك الأمكنة التي لم تكن تلقي إليها بالا.. أكثر من ذلك تجدها تسحبك فإذا أنت فيها

وستجد نفسك ضيفا يغرقك بحر الشوق في تفاصيل الأيام والليالي التي لم تكن تعرفها  ودون أن تشعر تحمل حقيبتك الممتلئة لهفة لتيمم شطر حبك المرتحل لا يلوي على بعاد

وتنتابني لحظات تأنيب... كيف تركت أطيارك تفر من عشك لتحلق بعيدا....كيف لم تحضنيها طويلا حتى لا تشب عن طوق الحنان لكن هذه اللحظات سرعان ما تنتهي فاسحة المجال لعزة أنت عليها محسودة وفخر بولد يسعى ويجتهد من أجل  عيش أفضل

وأحدث النفس بحديث المسار والحلم والطموح الذي كان.. فبقدر طموحك انتفخ حلم الصيصان الجميلة ليتجاوز الأمكنة وبقدر دعمك اشتد زغبهم ونما وصار ريشا قويا يشد الجناح فطاروا به بعيدا وحلقوا حيث لا قيد للأحلام ولاشوك في طريقها... حيث أنت ما أنت بجهدك وكفاءتك واجتهادك وليس بمعارفك وأكتافك ولا بعشيرتك وأهلك

1054-Fيطير الأبناء حيث لا حراس للأمل لا عساكر للأحلام لا قضاة للفكر ولا نظرات تسئ..

أنت هنا أنت مثل كل الناس تتنافسون بشرف فتثبتون أو تفشلون ولا شئ آخر

وها أنت ألفك المطار أيضا كما ألفك الانتظار..كما ألفك الهاتف الذكي وكل تطبيقاته التي كانت رحمة لك من الشوق واستراحة تنشدين ظلها بين حين وحين

 ألفتك الطائرة وألفتها وهي تحلق بك شرقا وغربا يدفعك حنين جارف ويلهب قلبك احتراق نازف... ويحلو لك أحيانا تعزية نفسك بأنك لست وحدك يطاردك الغياب فما طارت بك طائرة  وأنت وحيدة ولا خلا  مقعد الشوق يوما من الغياب.

ومع ذلك فأنت في نظر الناس محظوظة تنتقلين حيث تريدين...تحلقين في الفضاء وما درى أحد بشوق يرفعك فوق السحاب ساعات طويلة ليحط بك في مكان غريب جعله ابنك جنة في نظرك فقط لأنه موجود فيه؟؟؟؟

وهكذا تنتقلين من عاصمة  إلى أخرى بين احتراق واحتراق

وتصلين هذه المرة مطار إليوت بمونتريال على الساعة السادسة إلا الربع بالتوقيت المحلي في اليوم الثاني من أوث2016 وتندفعين في جموع المندفعين تسيرين في سلسلة السائرين بشكل آلي معروف ويستقبلك في المطار شباب في عمر الزهور يطلون برؤوسهم وابتسامتهم المشرقة من وراء حاسوباتهم وهم ينتقلون بنظرهم بينك وبينها

أخبرت ولدي بملاحظتي وأن الموظفين كلهم في بداية الشباب مبتسمون وبشوشون فأجابني ساخرا :

في الجزائر إذا لم يعبس اموظف في وجهك فلا يعتبر نفسه موظفا وعن الشباب فأغلبهم عاطلون لأسباب منهم وأسباب خارجة عن نطاقهم

اعترضت ضاحكة:

هكذا كان الوضع عندنا بعد الاستقلال وحتى وقت ليس بالبعيد كل العمال كانوا شبابا وأيضا المسئولون

يضحك ابني

تماما دخلوا (وهم شباب) ولازالوا هم أنفسهم لا أحد يغادر منهم إلا إلى القبر هذا بالنسبة للعمال أما المسئولون فلا يغادر الواحد منهم إلا بعد أن يكون أورث الكرسي لابنه أو أخيه أو فصيلته التي تأويه

ضحكتُ مرة أخرى بمرارة

نعم سأعترف: الأبوية والوصاية لم تنقطع عن هذا الشعب منذ الاستقلال وكأنه قاصر أو كأنه غير عاقل.... ثم يتحدثون عن (كنا وكنا) وما تركوا فرصة لآخرين كي يكونوا

ولأن شر البلية ما يضحك فستمضين ترقبين ما يبدو أمامك في مونتريال فلا يزيدك إلا إحباطا وقدتلتمسين شيئا من الأمل في إصلاح قريب فلا تري إلا حواجز تليها حواجز فتنكفئ على حلمك  ويرتد بصرك خاسئا وهو حسير

ماأدهشني  أنني وجدت نفسي اشعر بحميمية غريبة في مونتريال ربما بسبب الشبه الكبير بينها وبين كل مدن العالم الغربي الذي لم يكن غريبا بالنسبة لي

 وفي بيت ابني أحسست انني في بلدي...وفهمت سر الإقبال الكبير على هذا البلد من طرف الجزائريين

وهكذا بدأت رحلتي الأولى إلى كندا بسيطة وأليفة وكأنها التي أقبلت إلى ولست من أقبل إليها

وأحسست بأمل جميل يشرق في نفسي خاصة عندما  أتمعن  في وجه ابني وأسمع كلماته المتفائلة وكلما طالعتني ابتسامة زوجته الحنون (ساندرا).....يتبع

 

فاطمة الزهراء بولعراس

 

 

في نصوص اليوم