نصوص أدبية

المصطفى عبد الدائم: الحشرة المضيئة

almustafa abduldaemهذه ربما عاشر مرة وهي تضمني إليها، تحاول أن تثير شهوتي .. أكيد أنها تجهل أن الرغبة (كالحشرة المضيئة تتوهج وتخفت) لذلك ما فتئت تكرر محاولاتها مستجدية انهماري كالمطر.. تلك المؤامرة التي تحيكها الغيوم السوداء المتلبدة في جوف السماء ...

ولكني لن أسقط مطرا فقد مللت أن أروي جسدها الذي يضطرم من الأهوال .. ألجها كالسكين يمزق أحشاءها .. نصعد قمة اللذة ثم أنحدر خائبا ينهشني هذا الخوف أن يختطفني الموت ولم أجسد خلودي .. نعم خلودي فليس من حقي (أن أنتهي تاريخا عظيما بلا مستقبل) .

أنا تعب منها .. لم يكن الأمر كذلك في البداية، فقد كنت (أنجذب إليها كما ينجذب الذباب إلى السكر).. يكفي أن تخطر ببالي لترتفع درجات حرارتي، ويمتلئ فمي باللعاب، ويشتد القوس وينطلق السهم (يخترق اللحم الطري) ...

كنت أسحبها إلى السرير الناعم أو الحصير الخشن، ثم أشرع في تقبيل عنقها،أعض شفتيها، أضمها بقوة،أترك لأصابعي إشعال نيران جسدها، أوحد رغبتها، أرفض الإبقاء على جزء من جسدها محايدا .. الحياد شعور بارد .. وأنا أريدها أن تصرخ .. أن تبكي .. أن تتأوه (يطربني أن أسمعها تتأوه .. في تأوهها يختلط الشعور بالألم واللذة) .

كنت أضاجعها (كثور هائج) .. أضاجع كفارس يخوض معركة .. وكأي معركة (لابد من منتصر ومنهزم).. لا بد من خطط ومؤامرات .. لابد من تواطئ الحلفاء وتربص الخصوم . معركتي انطلقت من أول يوم (نهار الاول كيموت المش)، لست أدري لماذا يجب أن يشنق القط "المش" في مثل هذا اليوم المشحون بالطرب والغناء والزغاريد ؟ ولست أدري ما علاقة القط "المش" في وطء رجل لامرأة ؟ ربما لأن القط (المش)عادة جسور، وإذا لم تردعه من أول يوم نام في فراشك ...

معركتي ساحتها خيمة قصية نبتت في جغرافيا ظلم التاريخ .

منذ الليلة الأولى تبدأ معركتي (يجب علي أن أركبها، وأن أكون دوما فوقها، لأنه إذا حدث العكس فعلي السلام) .. استهدف الرعشة في لثم عنقها، ومص حلمة نهديها .. أدير رحى المعركة بدهاء وقوة هدفي بلوغ الفتحة المدفون في سراديبها سر الحياة، والمكتوب على شفتيها (قصة الإنسان العربي) خلاصة سنوات من القمع والقهر والكبت، وصراع يومي من أجل اعتلاء عرش الفحولة المطلقة التي تجعل (منسوب الذكورة لديه يزداد ارتفاعا كلما ازداد تخلفا وفقرا) .

زوجتي أكثر الأشخاص الذين أعرفهم إزعاجا، فبعد ما يقارب "الأربعين سنة " من المعاشرة ..أذقتها في ليال طوال ومتتاليات مظلمات كانت أو مقمرات، فوق السرير الناعم، أو على حصير خشن، صنوف الهزائم النكراء، أتركها بعد قضاء وطري ..رخوة ومتهالكة وخانعة وطيعة، ورغم ذلك فهي تنجح دوما في تأكيد:

(أن ما أعتقده هزائمها لا يحقق انتصاراتي) ... والسبب طبعا لأنها تعتبرنا في (حرب دائمة) ... وأنا (لا يمكنني أن أستمر في حرب معركتها واحدة ..لأنه لا وجود لحرب بمعركة واحدة ..الحرب الحقيقية معارك متعددة وعلى جبهات مختلفة ...) . والحرب مع زوجتي معركتها واحدة ووحيدة تعلنها كلما أغلقنا علينا باب غرفتنا (تندفع نحوي تفك أزرار قميصي .. تقبل صدري .. تلحس تحت إبطي .. تداعب إليتي ..تتحسس السهم .. ثم تدعني (أمضي صعودا ونزولا .. أخترق الفجوة اللزجة التي عبر منها فاتحون وغزاة) ...

طيلة الأربعين سنة الماضية لم تدع زوجتي الفرصة تمر دون أن تطلب مني (أن أحارب حتى الموت) هي تجد راحتها في استمرار الحرب، تقول: (الفحولة عين لا تنضب .. والمرأة أرض خصب حرام ألا تحرث) وتضيف ضاحكة: (لباس الرجل عريه،وسلاحه قضيبه،والمرأة ساحة معركته). طبعا هي لا تفهم، أني لا أستطيع الإستمرار في حرب تأكد أن معركتها واحدة ووحيدة غايتها القصوى ارضاؤها، فأنا ياسيدتي: (إبن بلد تنبت فيه الثكنات كالفطر وتتناسل مدنا للفجيعة،ويتواطؤ فيه قيظ النهار وبرد الليل كتاب نجوم تحدد اتجاهات تيهنا وتضاريس مغامراتنا .. لا أحد منا يملك فرصة ربح معركته في بلدي الذي مازال الفجر الملتبس يطلع فيه تفوح منه رائحة المكائد والولائم، ومع ذلك نواصل شم التراب لمعرفة من مر من الطريق نفسها قبلنا، ولتحديد إمكانية وجود الماء ..ولأننا لا نعرف شكلا جديدا للحزن نستمر في إبداع الفراغ رقصات، وفي الليل كما النهار نغتسل من وفرة الضوء الذي ينفث في أجسادنا منذ (العام لكحل) أدخنة سامة تتجمع غيوما سوداء لن تمطر غير المزيد من الأضاليل)...

أنا ياسيدتي يستحيل أن استمر في حرب معركتها واحدة ووحيدة .

 

بقلم: المصطفى عبد الدائم

 

في نصوص اليوم