نصوص أدبية

جواد غلوم: سِيرةٌ موجزةٌ لِجمْرةٍ ساخنةٍ من موقدٍ منطفِئ

jawadkadom gloomعازمٌ على شطب الخطوط الحمر

 التي صبغتُـها على الجدران البارزة

 


 

سِيرةٌ موجزةٌ لِجمْرةٍ ساخنةٍ من موقدٍ منطفِئ

جواد غلوم

 

حتّام عليّ أن أغربلَ سنوات العمر المرعبة !

كم عليّ ان أزيلَ شعارات التحريض التي ألصقْـتُـها ليلا

في الشوارع وأعمدة الأبنية

حالما ألمحُ الشرطة السريّة تترقبني

أفلتُ الى الأزقة الخلفية وأنثـرُها عبَـثا

خوفا من خنزيرٍ درَكيّ يقبض عليّ متلبسا

كم عليّ ان أقيء أوراق محاضر الاجتماع الشفّـافة

يوم أمسكني من أسميناه الجرذ الأبيض !!

وهو يعلم يقينا اني ابتلعتُـها

عازمٌ على شطب الخطوط الحمر التي صبغتُـها على الجدران البارزة

شارةُ المنجلِ المعقوف بأسنانه الحادة

كثيرا ما حزّت رقبتي

المطرقةُ النازلة على رأسي طرقاً

سنواتي الضائعة الملتصقة مع الشعارات

خُطوتي المرتعبة  البلهاء العاثرة بلا هدى

الدروبُ التي توّهتْـني وابتلعتني بالتوائها

العاهرةُ التي سحبتْـني من قميصي البائد

فتمزّقَ بيديها الجسورتين

أدخلتْني حجرتَـها  بغمضة عين

لئلا أكون ظَهرا عاريا بأيدي الجلاّدين

متى يتعين عليّ أن أفْجُـرَ بطهارتي المصطنعة ...

أمام من أحبتْـني بجنون؟ !

وهبتْـني أنوثتها ملكا يمينا ولم أعبثْ بطهري الغبيّ

هي رفيقتي الأسمى والأوفى العائمة بشوقي

تجدفُ في عيوني، تتلمس وجهي الشهيّ وهو يصطنع الخجل

تعرِّيني وأنا الصخرة الصمّاء

يا لَـلحظات التي شلّت شهيتي العارمة !!

كيف رميتِـني في مستنقع الاستحياء !!

أنا العاهرُ الداعرُ؛ ابنُ الجنيّة

وريثُ الجرأة، معدنُ الاشتهاء

أرجفُ هلعا أمام بُكارة رفيقتي، غانيتي العذراء

*******

أرثي موتك أيتها السنواتُ الحادّة الشفرات

كيف غدوتِ مكلومةً عمياء؟؟

أنّى لها ان تُخمدَ ذلك اللهيب الطائش نشرا !!

يمتدّ بي طولا وعرضا مثل غابة مشتعلة

مَن قضمَ فاكهة الجمر وسرق سَلّتها؟؟

تلك أطيابي وغذائي السائغ المترع بالفتوّة وميعة الصّبا

كفرا بأبجدية الكهولة التي أحرقتني

صيّرتُ جمراتي رمادا بخسا

خمدتُ لهيبي العارم شبحا اسود الطلعة

سخاماً عالقا بجثّة سيخيٍّ ميّت احترق توّا

فلْـتَـنْـقرضْ أيها العمرُ الهرم

دونك المقابر فاسعَ إليها راكضا ركضتك الاخيرة

كن كالصقر مستجمعا بقايا قواك المنهكة

ترقى بها الى الأعالي، ترتطمُ في قِـمَّـتك الأولى

تضمّك الى جِوارِها ميتا سعيدا

حاملا حبيبتك الى موكب العزاء الأخير

عروسَين في قبرٍ واحد

 

جواد غلوم

 

في نصوص اليوم