نصوص أدبية

في المدن المكتظة تحدث الغرائب بين ساعة وأخرى، فتضيع مع الضوضاء والزحام.لكن الغرابة التي حدثت في تلك المدينة، كانت مختلفة وتناقلتها الألسن ودارت حولها الحكايات والأخبار .حين أفاقت المدينة على خبر ولادة توأم برأسين.أنتقل الخبر من صالة العمليات، إلى الممر ثم إلى ساحة المستشفى ثم إلى الشارع والمدينة .ولما ماتت الأم بين فكيّ الطلق ساعتها، لم يهتم الأطباء والممرضات، بل هرولوا بالتوأم صوب مكان خاص..أحاطت المدينة التوأم برعاية فائقة .رأس أيمن ورأس أيسر، وجسد واحد، يشربان الحليب بفمين ويلفظان المخلفات بشرج وقضيب.مع انحياز واضح في اليد اليمنى للرأس الأيمن، وانحياز في اليد اليسرى للرأس الأيسر.والساقان كذلك .في سنتهما الأولى،  انتبهت المربية كيف أنهما تصارعا في وجهة مشيهما، حين رغب الرأس الأيمن في المسير إلى اليمن، بينما رفض الرأس الأيسر الذهاب.فاختلفت الساقان، وتعثرتا، فوقع الجسد الواحد بهما على الأرض وضجا بالبكاء.مرت بهما فترة المراهقة، في تلك الفترة اكتشفا لذة الذكورة، فدب الصراع من جديد .الرأس الأيمن يريد إفراغ منيّه على صورة في مخيلته، والرأس الأيسر عنده صورة أخرى.الصراع داخلي، حين يحزن رأس ويفرح رأس،  يحدث شيء أشبه بـ(التماس الكهربائي) في جسدهما.فهو (الجسد) لا يحتمل صراعهما الدائب على التكرار.في إحدى المرات وحين كانا يشاهدان مباراة في كرة القدم، تفجر الصراع من جديد، حين شجع الأيمن فريقاً وشجع الأيسر فريقاً آخر.اشتدت وتيرة المباراة، فارتفع الصراخ، وتهاوت الشتائم. والجسد مشحون بالصدمات والخلاف والصراخ.(القلب الواحد لا يكفي في جسد يملك عقلين) هكذا أعلن الرأس الأيمن، حين وصل عمرهما إلى مرحلة الانتخاب، وحين ذهبا إلى (الاقتراع)، فاجأهما موظفو الاقتراع بأن إصبعاً واحداً هو الذي يحبر، ورأساً واحداً هو الذي يختار.فتفجر الخلاف واحتدم الصراع في القاعة، حيث اجتمع الناس ينظرون إلى رأسين بجسد واحد، يتقاذفان الشتائم والبصاق، مع أن المسافة بين رأس ورأس لا تزيد عن (مليمترات) قليلة، وخرجا من القاعة دون أن ينتخبا. تستمر الأيام وبينما هما جالسان على الأريكة في شقتهما .فجر الرأس الأيسر مفاجأة حين فاتح أخاه الأيمن: (لقد أحببت فتاة وانوي الارتباط بها). سأله الرأس الأيمن عن اسم الفتاة وهويتها، أجابه الأول باسمها وهويتها ومكانها.صُعِقَ الرأسان حين لم يحسا في تلك اللحظة بشحنة الكهرباء التي تداهمهما حين يختلفان.فعرفا حينها أنهما اتفقا على حب فتاة واحدة، حين اعترف الأيمن بذلك الحب والفتاة ذاتها.نظرا إلى بعض بخوف وقلق، فتفجر الصراع هذه المرة على شيء واحد، وهو صراع مرير، مخيف، أشد هيجاناً من تلك الصراعات .أمر الرأس الأيمن الذراع اليمنى بضرب الرأس الأيسر، بادله الأخير بلكمة من اليد اليسرى.تماطلا وخنق كل واحد الآخر بعنف، حتى وقعت في يد الرأس الأيمن قطعة معدنية فضرب بها رأس أخيه بقوة . نظر الرأس الأيمن إلى أخيه خائفاً . ثم جس نبضه حين اكتسح الفتور جهة الجسد اليسرى بالكامل.ذُعِرَ الرأس الأيمن بعد أن اكتشف موت أخيه.جلس على الأرض منهوكاً من التعب، وراح يضرب على الرأس الميت بضربات خفيفة ثم قوية على الخدين متمنياً إفاقته، ولكن بلا جدوى.هجمت الأفكار على الرأس الأيمن كسيل عارم.أطفأ النور ليلتها لكي يفكر بالظلام من دون أن يرى رأس أخيه متدل جانب رأسه. مذعوراً  من موجة الفتور والخدر التي تسللت إلى الضفة اليمنى.