نصوص أدبية

بكر السباتين: ليلة اعتقال الجمهور

bakir sabatinمسرحية من فصل واحد

"المشهد الوحيد"

بمكان ما.. وفي الزمن الجاري.. تم اعتقال الجمهور

***

يقسم الجدار الخلفي لخشبة المسرح إلى ثلاثة أجزاء..

الجزء الأول عبارة عن لوحة (صورة) لجمهور هائج أمام شباك التذاكر، يتقدمه رجل وامرأة غاضبان، وقد كبلا بالأصفاد.. وكتب على صدريهما كلمة "الجمهور".

الجزء الثاني عبارة عن لوحة لمدرج المسرح وهو فارغ بألوان خافتة.. يلتصق بالصورة من الأمام صف من الكراسي الفارغة يتقدمها ستارة مفتوحة توحي بأن خلفية خشبة المسرح ما هي إلا واجهة لجمهور المسرحية المعني ضمن النص، ولنطلق عليه اسم المسرح الخلقي..

ملاحظة: تعلو هذين الجزأين ستارة تمتد حتى مستوى خشبة العرض..

وهو ما أطلقنا عليه اسم " المسرح الخلفي".

الجزء الثالث عبارة عن حائط معتم مع صورة لنافذة مفتوحة على سماء غائمة، بحجم النافذة الطبيعية.

وتوجد أمامها على خشبة المسرح طاولة وكرسي، تحيط بهما عدة كراسي مختلفة الأنواع والأحجام.

يقابل كل ذلك، المسرحُ الأماميُّ الذي يستضيف كالعادة الجمهور الحقيقي بحيث تكون خشبة المسرح محصورة بين مدرج الجمهور في المسرح الخلفي، والمدرج الحقيقي الأمامي الذي يستقبل الضيوف.

***

ستارة المسرح الخلفي مغلقة، تفتح الستارة الأمامية للمسرح، تضاء صالة العرض.. تعتم خشبة المسرح.. تظهر فتاة الاستقبال الأنيقة من جانب خشبة العرض، تأخذها هالة الضوء إلى المقدمة في مواجهة الجمهور الأمامي؛ فتنحني له.. ثم تقرأ عليهم البيان المفاجئ التالي بصوت تملأه البهجة بينما هي تحرك يدها كطائر خرج من قفصه منتصراً..

فتاة الاستقبال: أهلاً وسهلاً بالضيوف الكرام.. اعتذر عن تأخرنا في فتح الستارة؛ فالممثلون يقطنون في أكثر من منطقة في مدينتنا المحاصرة بالإرهاب.. والطريق إلى المسرح مليئة بمتاريس قوات الأمن المحلية.. (ضاحكة بحسرة) يعني (تنظر في كل الاتجاهات بخوف) ممممم الطريق أصبحت رهن الاعتقال!(وبلهجة تبريرية يشوبها الحذر) هذه زلة لسان.. أقصد أن السلطات ما زالت تحقق مع الطريق فيما لو مرَّ عليها إرهابي ما (بتلعثم) أقصد داس عليها، يالله ما أكثر زلاتي.. (وبصوت مليء بالثقة وكأنها تريد أن تسمع الجدران) أما الأزقة فقد صارت رهن اعتقال الإرهابيين الدواعش.. (تمسح العرق المتفصد على جبينها) لن أسأل كيف جئتم لحضور المسرحية رغم كل المعوقات، لأن الملائكة تحرسكم يا أصحاب الضمائر الحية والعقول النيرة.. المسرح نورٌ وبدونكم يتحول إلى ثرثرة جنونية مع الذات وظلام.. ومنكم يستمد الممثلون طاقة التحدي؛ لذلك جاءوكم محلقين كطائر (السنونو)، طائر الحكايات الجميل.. (تشير بيدها إلى النافذة في الخلف) وعبروا تلك النافذة المفتوحة على السماء.. جاءوا مستحمين بالدعاء.. أصبحوا الآن جاهزين للبوح وفي قلوبهم قناديل، وتشرق في عيونهم زهرة النور فقد حان موعد قطاف الياسمين.. سيتحزموا وعيكم لتضعوا باقة الياسمين في قوارير الحرية وتتنسموا عبقها صباح مساء.

(تدور حول نفسها كطفلة نزلت عليها هدية من السماء ثم تقف في مواجهة الجمهور مغبوطة) وها هي المسرحية السيدات والسادة سوف تبدأ كي تشعل البرق.. وتستمطر الضوء.. وتزين لكم طريق العودة إلى بيوتكم الآمنة بالضياء..

(تتقدم رافعة ضمة ورد بيدها) قلتم ذئاب الطريق! الدواعش! الإرهابيين!! وماذا أيضاً!!! لا تخشوا إذا غادرتم مسرحيتكم من خفافيش الكهوف النائية.. دواعش وصهاينة! يباغتون قلوبكم فأوصدوها في وجه الشيطان.. واحلموا بزهرة النور.. بالحقل.. بسنابل القمح.. أوقدوا النهار فالخفافيش لا تحب النهار.. أواه.. أصيخوا السمع إلى هناك (تشير إلى النافذة وعينها مع الجمهور).. استمعوا إلى وعود السماء بالأمل.. رعد.. برق مطر..

فجأة يعتم على جمهور المسرح الأمامي (الحقيقي) حتى يخرج من سياق النص إلى منطقة الحياد، وتطفأ أيضاً الهالة الضوئية.. وتبدأ الأضواء بتقليد البرق.. ثم يصدح صوت المطر.

أثناء ذلك، تنحني فتاة الاستقبال أمام الجمهور.. وتنسحب كراقصات الباليه وهي تلوح لهم بيدها، ثم تخرج من جانب خشبة العرض.

ملاحظة: يمكن الاستفادة من هذا الفيديو وتوظيفه في المسرحية من حيث شكل النافذة وصوت الرعد والمطر.

.. ثم تضاء خشبة المسرح، أثناء ذلك تفتح الستارة الخلفية التي تظهر اللوحتين (الجمهور المعتقل) و(المسرح الفارغ) الأولى تسلط عليها أضواء كشافات متبادلة بتردد متوسط ما بين الأحمر والأزرق والأبيض تعبيراً عن الحركة والقلق.. أما الثانية فتستقر عليها إضاءة كشاف أبيض ثابت ..

بمرافقة موسيقى القلق والتوتر والتي تتهادى كلما ارتفع لغط الجمهور الخلفي

ينتشر الممثلون على خشبة العرض.. يعبرون عن قلقهم بحركات إيمائية وحركات مضطربة ويستقر بعضهم أمام اللوحة باستنكار.

تنخفض الموسيقى إلى أدنى درجة..

صوت قريب يصرخ آمراً:

اعتقلوا هذا الجمهور المسلوب إلى الوهم.. إنقاذا لعقله من التخريب.. ربما سنجد بينهم دواعش.. قيل لنا بأنهم هربوا إلى المسرح..

صوت من الجمهور: ابعدوا عني! الدواعش يستحكمون في الأزقة ويتمترسون خلف الناس..

آخر: هذه ابنتي .. اتركوها..

فتاة تصرخ: خذوني واتركوا صوتي يقتات عليه التائهون.. المسرح لا يؤمه الضالون.. ابحثوا عنهم في الظلام.. الخفافيش تأنف المدن.. ستجدونها في الكهوف النائية بين الجبال..

صوت امرأة: كيف تصادرون وعينا!؟

ثم تنخفض الأصوات تزامناً مع تعتيم خلفية المسرح.. وتبقى صورة الصالة الفارغة.. ويستقر الهدوء المشوب بالحذر على خشبة المسرح..

الطاقم الفني متأهب كلٌ في مكانه..عامل البوفيه يدور بالقهوة على كادر المسرحية..المخرج ما زال يواصل البحث عن سر اختفاء الجمهور وهو يذرع المكان جيئة وذهاباً، والقلق يهاجم رأسه المصدوح.. محدثاً نفسه باستهجان وحيرة:

المخرج: " لا أصدق بأن يعتقل جمهور برمته".

ثم يعطي كادر المسرحية أوامره:

المخرج: انتظروني في صالة التدريب كي تستعيدوا طاقاتكم حتى نتبين من صحة الخبر الذي وصلنا للتو.

يخرجون جميعاً من الباب الجانبي ما عدا المخرج. ثم يدخل عليه فجأة رجل غامض يرتدي زيَّ رجل مباحث أجنبي كتب على صدره كلمة "الفتنة" تسلط الأضواء عليها.. يراها الجمهور الأمامي بينما المخرج لا ينتبه إليها، ويغلق عليها الرجل الغامض بمعطفه الطويل، فيما يأخذ المخرج بإعداد بعض المذكرات وهو وراء مكتبه الخشبي في زاوية خشبة العرض.

ظنه المخرج للولهة الأولى صحفياً أو من المباحث العامة.. فدار بينهما هذا الحوار بمرافقة الموسيقى أعلاه في صعود وهبوط حسب تقنيات الحوار

المخرج: قلت لي بأن الجمهور اختفى!؟

رجل المباحث الأجنبي بلكنة الخواجا: أخرج وتأكد بنفسك.

المخرج: كلهم!؟

المباحث: جميعاً!

المخرج: حتى الأطفال!؟

المباحث: والشيوخ أيضاً.

المخرج: كيف عرفت!؟

أخرج مذكرة بتاريخ هذا اليوم سلمها للمخرج ثم قال معقباً بلهجة رسمية جامدة..

المباحث: أنا المسئول عن اعتقالهم.

يتساءل المخرج وفرائصه ترتعد خوفاً من هول الموقف وخاصة أنه مهدد بإغلاق المسرح نتيجة ما عليه من إنذارات وتعهدات مع الأجهزة الأمنية:

المخرج: إذن!! جئت تعتقل المسرحية!

المباحث: وهل أنا مجنون حتى أحول السجن إلى مسرح يخرج الضالين!! كم أنت خبيث!

المخرج: وماذا تريد إذاً!!؟

المباحث: فقط أريد أن تتابعوا عملكم.

المخرج:تقصد!! نمثل المسرحية!! هذا هراء!! فأين الجمهور!؟

المباحث: هذه مذكرة موجهة إليك بهذا الخصوص! هل لديك اعتراض! فقط أريد أن أفهم السبب الذي جعل هذه المسرحية تثير شهوة الجمهور لحضورها! مما أثار غضب الأجهزة الأمنية!!؟

المخرج: المذكرة مدموغة بقرني ماعز.. من أنتم!!

المباحث: (يضحك عالياً فتتجاوب مع جلجلتها الأضواء المترددة إيحاءً بأجواء القلق) ليس مهماً.. نحن نمثل القوة على الأرض.. نحن...... لا تذهبن بتفكيرك بعيداً، يتقدم من من الجمهور.. يعرضها عليهم من جديد، ثم يخفيها مستديراً إلى المخرج) لست شيطاناً.. بل يصنع من اللظى نوراً يضسء الطريق.. فلا يحرقن إلا من يقترب منه.. فمن منا يجرأ على ملامسة الشمي التي تضيء لنا النهار!!!؟ سواه الحالم المنون..!؟

المخرج: أين شرطة بلادي منك؟

المباحث: يطاردون الخفافيش.. ونحن نطارد الجمهور..

المخرج: لماذا!؟

المباحث: لأن الإرهاب يستمد طاقته من سكوته.. لا يريدون أن يتحولوا إلى أعوان.. العالم من حولكم تحول إلى مداس لنا.. إلا هذا الجمهور المغرور.. أريد أن أفهمه من خلال هذه المسرحية التي يقدسونها.. (يخرج مسدسه ويداعبه بأصابعه ثم يخفيه) هل نتفق!؟

المخرج: المسرحية تحاور قلوب الناس وتزرع فيها زهرة النور..

المباحث: وهل للنور زهرة!! هذا تسفيه!

المخرج: بل وله نهر يشق عنان السماء وتحف به زهيرات الياسمين..

المباحث: أين هذا النهر الأكذوبة الذي يرتاده العطشى من رواد مسرحكم الهزيل!!

المخرج: المجرات في السماء والنجوم التي ترفرف من حولها!

المباحث: هل هذا كل ما في الأمر! لماذا يحب الجمهور مسرحية تطير بهم إلى الفضاء في رحلة غبية بين المجرات!

المخرج: ها أنت قلتها بأن مسرحنا هزيل.. يذهبون إلى هناك كي يحصدوا النور الفطري الذي جاء مع بدايات الكون.. بداية الحقيقة..

المباحث ضاحكاً مليء شدقيه: لو أدركت ماهية المسرحية لأخذتهم إلى مستشفى المجانين.. لا بأس فقد صار التقرير مكتوباً.. والسبب هو التظاهر والشغب وتعطيل مهمة السلطات في مطاردة الإرهابيين..

المخرج:المسرحية نزيهة ومسلية..

المباحث: هل تحتوي على مشاهد مغرية أو..

(بخباثة وهو ينظر إلى المخرج بطرف عينه) إباحية مثلاً! وإلا فلماذا هذا الاستقطاب لفئة الشباب!

المخرج: هناك تعرية صادمة للغابة حتى تتعرى مخابئ ......!

المباحث بجنون: هذا مجون.. إنه تعرض للأخلاق العامة.. يا للمصيبة.. ورطتكم كبيرة!! تعرون الحرائر!

المخرج: على مهلك!لم أقل ذلك؛ وإنما أقصد تعرية للحقيقة!

المباحث: الحقيقة في سياق اللغة مؤنث.. جسد المرأة مثلاً حقيقة مثيرة.. وتقول مسرحية بريئة! خيبك الله أيها الخبيث!

المخرج: (يتحرر من كرسيه ويتقدم من الجمهور، وبصوت يهدر فيه الوعيد) في الحقيقة أن داعش تطوق الجميع.. حتى من سلمها صكوك الغفران وأقنعها بالحور العين.. من يقتل الأطفال سيقتل حور العين.. سيحول الجنة إلى غابة تسيل فيها الدماء (يستدير إلى رجل المباحث يشير بشاه يده) أتخاف الدواعش إلى هذا الحد(يحدجه بنظرات التحدي) نحن من سيقضي على أفكارهم.. بكل فئاتنا وأطيافنا.. الإرهاب بات يطوقكم ويرقص معربداً من حولكم..

المباحث: بل نحن نطوقها من الداخل.. (محذراً بإصبع الشاهد، وبنظرات ماكرة) احذر من زلات اللسان.. فنحن ما زلنا على البر!سأقرر بأمر المسرحية الظنينة بعد مشاهدتها على هذه الخشبة التي يقال بأنها تحمل هموم الأرض وتتسع لفضاءات الروح..

المخرج: ها أنت مثقف ورهاني على ضميرك كبير

رجل المباحث: ثقافة الولاء المطلق للقانون الذي نريده للبلاد التي انتزعنا ثقتها .. قوانيننا فوق الجميع..

المخرج: ونحن نتمثل بروح قانون السماء الذي وهب بلادنا قانون العدالة .. فنحمل الوطن في عقولنا وقلونا وضمائرنا..

(يقف في مواجهة الجمهور مرة أخرى).. لا بأس.. المسرحية ستبلل ريقك بمياه المطر.. ربما....! فأنا ما زلت لا أراهن عل أحد..!

رجل المباحث وهو يدور حول المخرج بحذر: هل تقصد الإفراج عن هذا الجمهور الذي حولته إلى قضية رأي عام! ربما !! الأمر مرهون بالنص المسرحي الذي سنشاهده!!فهو الذي سيفسر لنا إقبال الجمهور عليه، وخاصة أنه واجهنا بشعارات ثورية تحريضية،. مما جعلنا نتوقف مليا عن مطاردة الدواعش فعساهم تخفوا متنكرين في زيِّ الجمهور المغبون.. لقد بادرنا إلى اعتقال هذا الجمهور بحسن نية، حماية له من غواية الثعابين (وأكمل بنفاق) يا صديقي وحبيبي ونور عيني!!(ثم يضع يده على كتف المخرج باستخفاف) أليس كذلك يا مشعل الفتيل ومضيع العقول(يتراجع في كلامه بصوت خفيض) اقصد يا من يرتحل بعقل الجمهور المسلوب الإرادة إلى نهر المجرات الذي يشق السماء في بهيم الليل على حد وصفك!! والنجوم المنتشرة على ضفافه كالياسمين (وبانتباه ساخر يكمل رجل المباحث) أوه يا صديقي! هل للياسمين في السماء نكهة ورائحة!؟ لا لا لا.. أياك أن يكون ما قصدته بالياسمين هو زهرة الكوكايين البيضاء المنتشرة في السماء الخارجة عن نطاق سيطرتنا .. فيأتي هذا الجمهور من هناك في غيبوبة فكرية.. لذلك ينفرط الكلام من لسانه دون حساب!

***

كان الممثل الرئيس (وهو مؤلف المسرحية) يتنصت إلى ما دار من حوار أثناء تسلله بالدخول إلى المشهد من الباب الجانبي! فقد كان على موعد مع المخرج فاستوقفه الحوار، ولبث يستمع إليه وهو في منطقة الظل.. وقرر أن ينقذ الموقف.. يجازف برؤية المسرحية من أجل الجمهور.. سيفعل شيئاً بهذا الاتجاه.. تطفأ الإضاءة على خشبة المسرح.. تسلط هالة الضوء على الممثل.

الممثل (مع نفسه) : "سأحذف مرتجلاً بعض العبارات المخالفة للقانون!!!نعم سأنافق هذا الكائن الغريب حتى أتبين من أمره!! ألا يستحق جمهوري هذا الموقف!!!! يا الله! لينني أستطيع دق عنق هذا المستبد! ولكن... لا دواء لهذا الموقف إلا ببعض النذالة من أجل جمهور أحب مسرحه وتنفس الحرية من خلاله!

أيعقل ذلك!؟

أجل يعقل!

بعض النذالة!؟

وربما أكثر كأنه تعريض لرقبتي في وجه سيف الجلاد ليستعيد الجمهور حريته وروحه!

سيشتمك الجمهور!!؟

لكنني سأعيد الشمس إلى مضاربنا النائية في الظلام..

أنت تهذي!؟

أليس الهذيان هو الحالة التي نتحرر فيها من الخوف لأننا لو فكرنا لقتل المنطق الفكرة!! فقد قررت

ولكن!!

أسكت! انتهى الأمر فقد وصلت مكتب المخرج فلديه أوامر لي"!.

تضاء خشبة المسرح من جديد.. ينظر المخرج جهة الباب الجانبي.. فيخاطب الممثل الذي سارع من خطواته:

المخرج: " حسناً أنك جئت.. لدينا زائر مهم يريد مشاهدة المسرحية.. وهي فرصة لاستعادة الممثلين حيويتهم في هذه الليلة البكماء".

الممثل: " بدون دويِّ تصفيق".

المخرج: " سنفعل ذلك من أجل استعادة أجواء التصفيق التي عودنا عليها جمهورنا العظيم".

ثم انتبه إلى ما لفت انتباه رجل المباحث(جمهور عظيم) ومتداركاً:

المخرج: "والمحب لحكومته الرشيدة".

المباحث: هذا لا يكفي

المخرج: هل يرضيك أن نقول المحب للشيطان

المباحث: حاشاك يا تافه

المخرج: إذا جاءتك مذمتي ....... من ..والبقية في عهدتك!

المباحث: (يكتب النص على مذكرة في يده) سأعرض النص على ضليع في اللغة كي نقدر مدى خطورته، فلغتي العربية ملذوغة الراء وضعيفة.

المخرج ساخراً: أطلب رأي سبويه أو الخليل ابن أحمد!!

المباحث: سنطلبهما فيما بعد! إبدءوا بالعرض.

تهدأ الأجواء. ثم عقب الممثل الرئيس منوهاً:

الممثل: " ننتظر حضرتكم في الصالة لتوجيهنا قبل البدء".

المخرج: " لا بأس".

رُتِبَتِ الأمور بعد ذلك فيُجلس رجل المباحث على الكرسي الذي يتقدم صورة المسرح الخلفي وإلى جواره يجلس المخرج؛ وأخذا يتفرجان على المسرحية ..

تذكر المخرج الحوار الذي دار بينه وبين الممثل الرئيس وراء الكواليس حينما أطلعه على نيته المبيتة في اللعب على النصوص، أطفئت الإضاءة.. سلطت دائرة الضوء على المخرج وهو يتذكر، مستعيداً حواره مع كاتب النص وراء الكواليس:

صوت صمير المخرج: فكرة مدهشة.. وكله من أجل الجمهور.. هذه بطولة ومراوغة لا رعونة فيها.. النذالة من سمات المستبد.. وهكذا نعيد الجمهور للمسرح.

صوت ضمير الممثل: ماذا لو فاجأتكم بمشهد سيعري أغصان الغابة عن أوكار الذئاب!

المخرج: قبلت..

ثم تضاء خشبة المسرح..

المباحث: أين الممثلون!

المخرج: الفصل الأول يتكون من مشهد واحد.. رجل يمضي إلى المجهول تحت المطر.. وهذه مظلة كتب عليها الصبر وكما تراها يرفعها فوق رأسه.. يستمطر عشتار كي تفي بوعودها..

المباحث: لماذا لا تستبدل المطر بالشمس الحارقة.. فأنا أخشى من الأفكار الجاهزة..

المخرج : لتستمع إلى حواره أولاً ثم قدر خطورة النص.

تطفأ الإضاءة على خشبة المسرح.. يدخل شاب يافع يائس ترافقه هالة الضوء.. يذرع خشبة المسرح جيئة وذهاباً في أجواء ماطرة (تشغل أصوات المطر بحيث لا تغطي على صوت الممثل).. دون إظهار النافذة.. كأنه يسير تائهاً في الشارع.

الممثل بصوت مجروح: آخ.. منذ ساعة وأنا تحت المطر أبحث عن بيتي.. الطرقات تغيرت معالمها.. كلها متاريس لا ترفع علم بلادي.. أصوات بكل اللغات.. عيني على الوطن.. قلبي على حالي.. فقر.. غلاء.. موت زؤام يطاردني حتى وأنا في الفراش إلى جوار زوجة نحترم عجزي الجنسي لأنني مقموع من الحياة (يواجه الجمهور) على فكرة.. لولا أنني خلفت من زوجتي لمت قهراً.. لذلك كلما أصخت الصوت إلى صراخ أولادي ينهمر المطر.. فأدعو لهم بمستقبل بهي وأنا أصلي.. فأطيل السجود وهم يلعبون فوق ظهري فأنسى عدد الركعات(يتوقف صوت المطر، يسمع صوت أطفال يلعبون، يسجد الممثل) هكذا.. الله أكبر .

تتحول هالة الضوء إلى المخرج وهو يحاور رجل المباحث:

أريد أن أطمئن قلبك بأن المشهد التالي يصور إرهابياً يباغت هذا الرجل من وراء ظهره:

المباحث: حدد الاسم.. إنه داعشي..

المخرج: إرهابي.. فلا هوية للإرهاب.. في كل زمان ومكان..

المباحث يقف محتداً: قلت لي بأن النص الأصلي يتحدث عن الإرهاب!

المخرج: المكان مخيم للاجئين.. مخيم جنين المدمر.. وافترضت بأن يكون الإرهابي صهيونياً .. هذا هو النص الأصلي..

المباحث غاضباً: تفكر كإرهابي!

المخرج: لا بأس.. فلا فرق عندي بين الصهيوني والإرهابي.. فهما وجهان لعملة واحد..

المحقق: بل ثمة فرق كبير.. لا تخرج بي عن سياق النص.. حدد موقفك!

المخرج:إذن سيدخل على هذا الساجد أرهابيٌّ داعشي.. ليمثل بالنسبة لي إرهابي طائفي..

المباحث مرتعشا: يللا يا هذا.. لا تتلاعب بالألفاظ..

تضاء خشبة المسرح.. المخرج والمباحث يدخنان بشغف.. يدخل رجل ملثم يرتدي ملابس ملابس حديثة..

المباحث معترضاً: أهذا داعشي! أتسفه عقلي!

المخرج: وماذا كان يرتدي الإرهابي الذي فجر الشاحنة في نيس بفرنسا

المباحث: سأخرج فأكتب تقريري كما تشاء.

المخرج: سنعدل هيئة الإرهابي.. (وطلب من الممثل الآخر الخروج بإشارة من يده، فما أن يخرج حتى يباغت المشهد الشخص المطلوب.. رجل بلباس عربي تراثي.. ولثام غطى على ملامحه.. وفي يده بندقية..

الإرهابي: كيف يغير هذا المصلي قبلته.. هذا كفر لأنه سجود نحو الغرب.. (يشير ببنانه نحو المخرج والمباحث) أنتما.. تحولون هذا المكان إلى معبد يعربد فيه الشيطان.. (الجميع يضع بينما يظهر المخرج استهجانه) يا أعداء الله.

يلمح المخرج الممثل الحقيق يلوح له منم طرف الخشبة ، تطفأ الإضاءة.. تسلط هالة الضوء على المخرج والمباحث.

المخرج: هذا ليس ممثلاً

المباحث مرتعباً: من يكن إذاً

المخرج : ربما يكون الإرهابي الذي تطاردونه.

يضاء المسرح من جديد..

المباحث: يا هذا .. عليك الأمان.. أنا لست ضدك.. أنا لست من هؤلاء.. فقط جئت لاعتقال المسرحية لأنها تحاربكم..

الإرهابي: ولكنكم تحرضون علينا العالم

المباحث: أنت صديقي.. كلانا غرباء عن هذه البلاد

الإرهابي: أي بلاد تقصد!

المباحث : دون تحديد.. تعال فأنا ضامنك..

الإرهابي: سأقتل أولاً كل هؤلا..

المباحث: افعل ما شئت يا صديقي، وإن نفدت ذخيرتك فهذا سلاحي.. خذه إن شئت.. يصفق المخرج.. يحرر الممثل الثانوي لثامه.. يقوم الشاب اليائس فرحاً.. ثم يدخل الممثل الرئيس وقد كتف شاباً عارياً..

الممثل الرئيس: الملابس التي يلبسها الممثل الثانوي هي لهذا الإرهابي الذي طوقناه وجردناه من سلاحه وثيابه ثم غيرنا مسار النص كما تشاهدونه الآن.. وننتظر قوات الأمن الوطني المخلص.. قد يكون عراقياً أو عربياً أو حتى في أي بلاد تحترم الديمقراطية.. (موسيقى الجيش) وها هم جاءوا كي يعتقلوا هذا الإرهابي..

في هذه الأثناء يرفع المحقق سلاحه.. ويتوسط خشبة المسرح.. فيباغته الشاب اليائس، ويخلص سلاحه.. ثم يجرده من معطفه.. ويدور بالمباحث حول خشبة المسرح وقد ظهرت على صدره وظهره الفتنة..

صوت الجميع: لعن الله الفتنة ما أبغضها.. لعن الله الإرهاب.. حي على الحرية والعدالة.. حي على الديمقراطية.. لنف صفاً واحداً ضد الإرهاب مهما كان أصله.

يرقط الجميع كالأطفال.. وينهمر صوت المطر.. ويضاء المسرح..

يقف الممثلون صفاً واحداً لتحية الجمهور.. تغلق الستارة

انتهت

 

 

في نصوص اليوم