نصوص أدبية

مريم لحلو: عالمي السحري

marim alholowما هي إلا درجات أتسلقها في خفة لصة غير ظريفة فينفتح لي عالم سحري عجيب. تغرقني أضواء المغارة ومقتنياتها الخرافية، عظام وجماجم صغيرة وصخور ونقود قديمة، أقفال وتعويذات، ساحرات وعرابات، أقمشة وأصباغ منسكبة لونت الأرضية بأشكال سريالية .

تلسع الوجه البريء انحناءات الأجساد، والتماعات العيون المفعمة بحياة متوهجة تبعث في الروح فرحا خفيا لذيذا... أجدني فجأة عالقة في لوحة لبيكاسو، تائهة في عالم من الجمال المرعب بين الزوايا الحادة كالسكاكين، أجري وأنا جد خائفة من الوقوع فوق نصل سام يرديني فأسقط في فوضى منظمة، فتتت كل فراغ .كان المصباح المعلق يومض ويخبو ويسدد الطعنات.الوجوه الحزينة تُرى بشكل أمامي وجانبي في الوقت ذاته لبشر وحيوانات تلهب الشفقة وهي تنظر إلى السماء.أجري كقطة رمادية محترقة بين النيران والشظايا أفكر في أخذ قسط من الراحة لكن سرعان مايخور ثور "جرنيكا" فأواصل الجري وتوقي لاكتشاف أبعاد اللوحة أكثر إحراقا من اللهب الذي أدوسه بقدمي الحافيتين. مبهورة الأنفاس وقد تملكني رعب شديد تمنيت لو أن أمي لم تلدني وأنني مرتاحة الآن في رحم هذه المرأة ذات الابتسامة الساحرة التي لم يفسدها ذكاء وقاد مستفز، يصلني قوتي ويديها الناعمتين فوق بطنها /فوقي تشعراني بدفء العالم وبخلود يضمنه لنا فقط "دوفانسي".

تتسلل أصابعي الأفعوانية إلى الحقائب القادمة من مدن العلم والفن فتفغمني روائح البلاد الأجنبية وعطور نسائها، أهتك ستر الرسوم العجيبة المخبأة بعناية غريبة عن عيون تعودت السكوت والستر في الجسم والصوت والفكر، مشذبة بقسوة لا تمنع من إتيان سلوكات خفية ممنوعة مرغوبة...أتشربها وكأنني أطبعها في الذاكرة فلا شك أن يوما ما سيأتي آجلا بالتأكيد فينكسر شق فيها لتهب كل الذكريات السحيقة بسخاء مرعب..

لم أكن أتصور أن تلك البهجة كانت ستكف يوما عن رش أحاسيسي بذلك الرذاذ الحلو المليء بالوعود الغامضة.لم أستطع التسليم بسهولة أن مغارتي ستنغلق إلى الأبد.. وتُحْشى بالشراشف وبالفرش الجديدة، وبالملابس المعطرة المطوية بعناية غبية في دولاب ضخم غطى الجدارية التي كنت لا أمل من اللهو بين مروجها والطيران في سمائها الصافية..ويختفي أيضا الكرسي الهزاز الذي كان يأخذني إلى مدائن الأحلام، وتختفي صور ملوك "البوب" و"الريكَي" وكَناوة وإمام ونجم ... وأشرطتهم، ولوحات الجميلات الصاخبات قرب النهر. وتعوضها لوحات زجاجية رخيصة لماكينات منعدمة الموهبة.. ويصبح للنافذة ستار سميك.ربما صارت أجمل في نظر العروس الجديدة وأمها، ولكنها فقدت ثراءها ودفءها . وصارت غير مغرية إطلاقا بخوض مغامرة غير محمودة العواقب.. ربما من يومها نما عدم استلطاف خفي بيني وبين تلك العروس الجديدة التي لم تسرق مني مثلي الأعلى فقط بل سرقت عالمي السحري أيضا..

 

مريم لحلو أديبة من المغرب

 

في نصوص اليوم