نصوص أدبية

باسم الحسناوي: يا غالبَ الدَّهْر

basem alhesnawiكانَتْ حَياتي بلا معنىً أحسُّ بهِ

كم بدَّدَ العُمْرَ هذا الوَهْمُ والوَهَمُ

 


 

يا غالبَ الدَّهْر / باسم الماضي الحسناوي

 

ذا مَوْقِفٌ للهَوى لم تَثْبُتِ القَدَمُ *** إلا وتَعْتَعَها الإطْرابُ والنَّغَمُ

عَفْوَ الهِيامِ.. فذا شِعْرٌ وذا كَلِمٌ *** لكِنْ رأى العَجْزَ هذا الشِّعْرُ والكَلِمُ

الشِّعْرُ قد هُزِمَت يَوْماً بلاغتُهُ  *** وَطَأْطَأَ الرَّأسَ حتى ذلَّ مُنْهَزِمُ

فَكَيْفَ يَدْنو وَلَوْ وَهْماً إلى حَرَمٍ *** جثا لهُ البَيْتُ لمّا جاءَ والحَرَمُ

المادِحُ اللهُ.. أعْظِمْ بالذي نَطَقَتْ *** في حَقِّهِ السُّوَرُ الغَرّاءُ والحِكَمُ

يا أيُّها الشِّعْرُ زَحْفاً حينَ تَقْصِدُهُ *** فربَّما وسِعَتْكَ الخِيمُ والشِّيَمُ

قل إنَّني أبْتَغي فَخْراً بمَدْحِكمو *** فَمَحْضُ مَدْحِكمو فَوْزٌ وَمُغْتَنَمُ

كانَتْ حَياتي بلا معنىً أحسُّ بهِ *** كم بدَّدَ العُمْرَ هذا الوَهْمُ والوَهَمُ

بِكُم أريدُ نجاةً من لَظى سَقَرٍ *** أَيْنَ اللَّظى من أَثيمٍ عاشِقٍ لَكُمو

وما اللَّظى؟ إنَّها آثارُ بُغْضِكُمو *** بِهِ تجلّى شواظُ النّارِ والظُّلَمُ

وما الفراديسُ إلا انَّها أثرٌ *** للقَلْبِ حينَ لَكُمْ يَهْوي فَيَعْتَصِمُ!

***

يا أنْتَ يا رَحِماً ما فازَ قاطِعُها *** تَشْكو إلى اللهِ من قَطّاعِها الرَّحِمُ

لم تَقْطَعِ الرَّحِمَ الشَّمْسُ التي بَزَغَتْ *** ولا النُّجومُ ولا الأقمارُ فَوْقَهُمو

كلٌّ إليكَ سَعى في لَهْفَةٍ وَمَضى *** بالفَضْلِ مُعْتَرِفاً مِنْهُ الغَداةَ فَمُ

يَجْثو على ركْبتَيِهِ فِعْلَ متَّخِذٍ *** وَضْعَ المُصَلِّي لِمَنْ صَلّى لَهُ الحَرَمُ

أمّا الذينَ لَهُمْ في قَطْعِها وَلَعٌ *** فَهُمْ أولاءِ الذينَ اسْتَعْظَموا فَعَموا

رَأَوْكَ أَنْتَ سراجَ الله.. قيلَ إذَنْ *** لا نَبْتَغي الضَّوْءَ.. ساروا كيفَما ارْتَطَموا

لَوْ أنَّهم وَقَفوا خيرٌ لأنْفِسِهِمْ *** ماذا رأَوْا غَيْرَ تيهٍ مُنْذُ أنْ عَزَموا

كم يَزْدَري الحَسَدُ المُضْني بصاحبِهِ *** إذْ كلُّ ما قَدْ جَناهُ الحاسِدُ الألَمُ

يَعْلو على هَضَباتِ الرَّمْلِ مُشْتَرِفاً *** سُرْعانَ ما تَحْتَهُ الكُثْبانُ تَنْهَدِمُ

***

الآنَ أُمْسِكُ بالشُّبّاكِ مُعْتَذِراً *** عَنْ لَيْسَ ذَنْباً وَهَلْ فَيْضُ الهَوى يَصِمُ؟

لكنَّ حُبّاً أنا آذِيُّهُ وَشَلٌ *** مَهْما يَكُنْ طاغِياً.. مَهْما سَيَتَّسِمُ

حُبٌّ هُوَ البَحْرُ لكنْ قَطْرَةٌ وَمَدىً *** هُوَ الكَواكِبُ لكنْ فاضَتِ القِيَمُ

وَما أقولُ؟ أنا حتّى وفي أَدَمي *** مِنْ رَعْشَةِ الحُبِّ ما مِنْهُ انْتَشى الأَدَمُ

أُحِسُّ بالذَّنْبِ مِنْ أنِّي أرى جَسَدي *** ما دامَ لي جَسَدٌ إنِّي لَمُتَّهَمُ!

وَلَوْ فَرَضْنا بأنَّ الجِسْمَ صارَ سَنىً *** ما لَمْ يذُبْ في سَناهُ فَهْوَ مُؤْتَثِمُ

أَنايَ ذَنْبٌ كبيرٌ إِذْ أحِسُّ بها *** لذاكَ يُغْضي سَنا عَيْني وَيَحْتَشِمُ!

***

مُذْ كُنْتَ في بَطْنِ أُنْثى إِذْ تُحَدِّثُها *** بما يَكونُ وما قَدْ كانَهُ القِدَمُ

كانَ الوُجودُ جَمِيعاً في جَلالَتِهِ *** يُطيعُها، هيَ لا تَدْري، ولا جَرَمُ

الحامِلُ المَرْأَةُ الأُنْثى التي وَضَعَتْ *** لكنَّما الكَعْبَةُ الرَّضّاعَةُ الرِّئِمُ

وُلِدْتَ في حِجْرِها أُمّاً وَمُرْضِعَةً *** فَارْتاعَ مِنْكَ فَلَمْ يَسْتَمْسِكِ الصَّنَمُ

أَغَرُّ ميلادِكَ المَيْمونِ حادِثَةٌ *** لا غَرْوَ منها رموزُ الشِّرْكِ تَنْهَشِمُ

رُبِّيتَ في حِجْرِ خَيْرِ الأَنْبياءِ وَلَمْ *** تَكُنْ لهُ ثانياً.. فالرّوحُ مُلْتَحِمُ

فَمَنْ رَآكَ رَآهُ.. من رَآهُ رَأى *** حبيبَهُ المُرْتَضى والفَرْقُ مُنْعَدِمُ

***

أَنا المَدينةُ قالَ المُصْطَفى وَلَها *** بابٌ هوَ المُرْتَضى فَلْتَدْخُلِ الأمَمُ

لا البابُ ضيِّقةٌ إنْ كلُّهم دَخَلوا *** ولا المَدينةُ، فلْتُقْبِلْ جموعُهُمو

شاؤوا تسوُّرَها مِنْ خَلْفِها فإِذا *** بِهِمْ لصوصٌ عَلَيْها بغتةً هَجَموا

وَلَيْسَ مِنْ عَسْجَدٍ أمْلاكُها أبَداً *** لِيَسْرِقوها، بَلِ الأَمْثالُ والحِكَمُ

لَوْ أنَّهُمْ سَرَقوا مِنْها حيازتَها *** فَنِعْمَ ما سَرَقوا.. لكنَّهم صُدِموا

بِأنْ رَأَوْا كلَّ فَرْدٍ من أزقَّتِها *** إنْ هُمْ بهِ سَلَكوا يودي بِهِمْ ضَرَمُ

وهكذا هَرَبوا مِنْها بأَنْفُسِهِم *** تَحْدوهمُ الخَيْبَةُ العُظْمى بما اجْتَرَموا

***

لَوْ تابعوكَ فَمَجْدٌ في الحياةِ وما *** بَعْدَ الحياةِ فإنَّ الخالدينَ هُمو

مَنْ شايعوكَ أولاءِ الآنَ نَرْفَعُهُمْ *** لِمُسْتَوى الآلِ حتّى إذْ هُمُو عَجَمُ

أمّا الألى حَسَدوكَ اللهُ يَلْعَنُهُمْ *** بِرُغْمِ أنْ دمُهم في أخْدَعَيْكَ دَمُ

إنَّ الأواصِرَ تَخْتارُ الأُصولَ لها *** حَسْبَ الوَلاءِ وجوداً أوْ هوَ العَدَمُ

***

مَنْ ذا سَيَخْطِبُ مِنْ أصْلِ الوجودِ يدَ *** البَتولِ إلا إلهُ الكَوْنِ ربُّهمُو

فيا محمَّدُ زوِّجْها بأفْضَلِ مَنْ *** بَعْدَ الأَبِ المُصْطَفى تَسْعى بهِ قَدَمُ

لَوْ ما خَلَقْتُ لها كُفْؤاً بِحَيْدَرةٍ *** بغَيْرِ كُفْءٍ سَيَبْقى ذلكَ الرَّقَمُ

فَلَيْسَ ثانيهِ إلا المُرْتَضى، ولَهُ *** فَضْلٌ عليهِ بما مِنْهُ عَلَتْ هِمَمُ

نورُ النبيِّ ونورُ المُرْتَضى اتَّحدا *** بذا الزواجِ، فيا مَنْ نافَقوا الْتَجِموا

لا يَنْضبُ الكَوْثَرُ النّوريُّ من عَقِبٍ *** ومن يَقُلْ أَبْتَرٌ في صُلْبِهِ العُقُمُ

وكلُّ مَلْكٍ سَيَغْدو عَرْشُهُ بَدَداً *** لِيَمْلأَ الأرْضَ عَدْلاً حجَّةٌ علَمُ

***

يا أمَّ والدها.. يا من بوالدها *** ثُكْلُ البَنينِ لها في نَفْسِهِ اليُتُمُ

يا مُلْتَقى النّورِ بالنّورِ الذي هوَ في *** قَلْبِ السَّماواتِ عَرْشُ اللهِ والقَلَمُ

يا أمَّ سِبْطَينِ لم يولَدْ كَمِثْلِهِما *** ولَيْسَ يولَدُ حتى الخَلْقِ يُخْتَتَمُ

فمي بهِ الماءُ، يكفيني النِّداءُ إذن *** خلفَ النداءِ انْصِبابُ الحُزْنِ والألَمُ

دُفِنْتِ في بُؤْبُؤَيْ عَيْنَي أَبيكِ وهلْ *** إلا أبوكِ لهذا الكَوْنِ مُعْتَصَمُ؟

***

قالت قريشٌ عليٌّ ليسَ يَمْلِكُ مِنْ *** مالٍ سوى بَعْضِ أسْمالٍ وما عَلِموا

أنَّ الوصيَّ لهُ الدُّنْيا بِما رَحُبَتْ *** من راحتَيْهِ علَيْهِمْ تَهْبِطُ النِّعَمُ

لوْلاهُ ما وُجِدَتْ شَمْسٌ ولا قَمَرٌ *** ولم تَدِرَّ لَهُمْ شاءٌ ولا نَعَمُ

لَهُ اليَتامى، بَنو صُلْبٍ لِنعْمَتِهِ *** الشُّهْدَ من يَدِهِ السَّمْحاءِ كَمْ طَعِموا

حتّى لَقَدْ قالَ في كوفانَ قائلُهُمْ *** يا لَيْتَ لي كي أنالَ الشُّهْدَ يُتْمَهُمُو

 

طلَّقْتَ دُنْياكَ؟ هَلْ كُنْتَ الحليلَ لها؟ *** نَعَمْ سَعَتْ لكَ: ذا ملْكٌ وذا حشَمُ

مَهْما تَكُ الأرْضُ خَضْراءً وناعمةً *** فَخُضْرَةُ الأرْضِ ممّا سحَّتِ الدِّيَمُ

أنتَ السَّحابُ الذي ماءُ السَّحابِ لهُ *** رَشْحُ النَّدى أيُّهذا العارِضُ الرَّذِمُ

فمن علٍ أنْتَ تَرْنو الأرْضَ، هامَ بما *** من كانَ يَرْعى كما تَرْعى بها البَهَمُ

فخُطْوَةٌ مِنْكَ تَمْشيها على مَهَلٍ *** عِمْلاقةٌ والمَدى كلُّ المدى قَزَمُ

ألَسْتَ أنْتَ خِضمَّ الكَوْنِ أجْمَعِهِ *** لولاكَ تَغْرَقُ فيهِ أرضُنا البَلَمُ؟

***

حُبُّ الوَصِيِّ قَضى الرحمنُ خالقُهُ *** جنّاتُهُ الليْسَ تُحْصى ثّمَّةَ النِّعَمُ

وَبُغْضُهُ هُوَ نارُ اللهِ موقَدَةً *** دُخانُها لا اللَّظى البُرْكانُ والحِمَمُ

اللهُ أَنْزَلَ قُرْآناً وأَحْكَمَهُ *** والمُرْتَضى التُرْجُمانُ العالِمُ الفَهِمُ

ما قالَ تَأْوِيلُهُ هذا فإنَّ لهُ *** إجابةً لا سواها، إنَّها نَعَمُ!

تَسْطيعُ أنْ تَنْطِقَ الـ((كلا)) بلا جَدَلٍ *** لكنْ سَتُحْشَرُ فيمن سَمْعُهُمْ صَمَمُ

وسِرْ بـ((كلا)) إلى ما شِئْتَ لو بَلَغَتْ *** مَسافةُ السَّيْرِ جوزاءً فلا أَمَمُ!

وأسِّسِ المُلْكَ بالـ((كلا)) وكُنْ مَلِكاً *** على الممالكِ طرّاً، سَوْفَ تَنْقَصِمُ

وامْلَأْ خزائنَكَ التَّتْرى بما رَغِبَتْ *** دُنْياكَ من ذَهَبٍ، فالفَقْرُ والعُدُمُ

وَقُلْ جيوشي التي تَعْدادُها بَلَغَتْ *** بهِ الملايينَ، فالإخْفاقُ والنَّدَمُ

بهِ أُنِيطَتْ مَآلاتُ الأمورِ، فذا *** كلامُهُ خطَّهُ في لَوْحِهِ القَلَمُ

الفِطْرةُ النورُ في النَّفْسِ التي جُبِلَت *** على المحبَّةِ، تِلْكَ الفِطْرةُ القَسَمُ

أنْ لا تفارقَ حبَّ المرتضى أبَداً *** وعِنْدَها أنَّ عَيْشاً دونَهُ بَرَمُ

إذا تكدَّرَ نورُ الفِطْرةِ انْتَكَسَتْ *** لكنْ كما النار أخْفاها بهِ الفَحَمُ

إنْ أنْتَ أذْكَيتَ ناراً فيهِ تُبْصِرُهُ *** ناراً تحوَّلَ حتى ضوعِفَ الضَّرَمُ

فَتِلْكَ تَرْجِعُ للحبِّ الذي جُبِلَتْ *** عليهِ.. بعدَ انفكاكٍ عنهُ تَعْتَصِمُ

لكنَّ أشْنَعَ نَفْسٍ كالحجارةِ، لا *** قَدْحٌ سَيَجْعَلُ فيها النارَ تَحْتَدِمُ

ولا ستُذْكى بنارٍ إذْ تجاورُها *** فلَنْ يُحِبَّ علياً ذلكَ الرَّضَمُ!

***

واللهِ واللهِ ثمَّ الله ثالثةً *** أَقْسَمْتُها، هَلْ لذي حِجْرٍ بذا قَسَمُ؟

لولا عليٌّ لهُ قَبْرٌ بكوفَتِها *** وَيَثْرِبٌ شرَّفَتْها الأَعْظُمُ الرَّمَمُ

فَلَيْسَ للشَّمْسِ أنْ تَبْقى تُضِيءُ ولا *** للأرْضِ أنْ يَتَمَلّى رَوْضَها نَسَمُ

ولم يكُنْ غيرَ ماءٍ آسِنٍ عطنٍ *** ما قيلَ عن مائِها ذا ماؤُها الشَّبمُ

وليسَ إلا حجاراً ليسَ ذا ثَمَنٍ *** تَصْنيفُكَ الناسَ: ذا تِبْرٌ وذي تُوَمُ

ولَيْسَ شَحْمُ جميعِ الكائناتِ إذا *** دقَّقتَ في الشَّحْمِ شحماً، بَلْ هُوَ الوَرَمُ

وكلُّ مُرْضِعِ أطْفالٍ يؤنِّبُها *** لبانُها قبلَ شاءَ الطفلُ يَنْفَطِمُ

وليسَ للعَدْلِ حَدٌّ واضحٌ أبداً *** وليسَ للظُّلْمِ حَدٌّ فَهْوَ مُنْبَهِمُ

كم أصْبَحَ الظُّلْمُ عَدْلاً في مدى نَظَرٍ *** هُوَ المتاهةُ لا حَدٌّ ولا تُخَمُ

وليسَ ثمَّةَ للإحْسانِ مَوْئِلُهُ *** لا فَرْقَ جُرْمٌ وإحْسانٌ هوَ الجُرُمُ

ولا يُخَصُّ بجَهْلٍ في جهالتِهِ *** ذو الجَهْلِ، إذ إنَّ جَهْلاً في الوَرى عَمَمُ

وليسَ جَهْلاً خفيفاً في مؤونَتِهِ *** أنّى وقد هدَّ سَداً سَيْلُهُ العَرِمُ؟

وَلْيَنْطِقِ اللَّسِنُ العَصْماءَ من خُطَبٍ *** سَيَعْتَريها على تَرْدادِها البَكَمُ!

***

ولايةُ المُرْتَضى عقْدُ النِّظامِ بها *** من دونِها الكَوْنُ فَوْضى ليسَ يَنْتَظِمُ

صرِّحْ بها عَلَناً لا تَخْشَ من أَحَدٍ *** إذْ كيفَ مَعْنى وجودِ الخَلْقِ يَنْكَتِمُ

ونَعْيُ حقِّ عليٍّ في حقيقتِهِ *** نَعْيٌ لحقِّ الإلهِ الحقِّ يُهْتَضَمُ

إمّا كهارونَ من موسى بجَوْهَرِها *** أوْ أنَّهُ السُّمُّ لكنْ مَظْهَرٌ دَسَمُ

لولا النبوَّةُ زالَ الفَرْقُ بَيْنَهما *** فالمُرْتَضى المُصْطَفى والنورُ مُنْقَسِمُ

علمُ النبيِّ محيطٌ في جلالتِهِ *** علمُ الإمامِ هوَ الأمْواجُ تَلْتَطِمُ

***

اليَوْمَ مَكْرُ قُرَيشٍ ليسَ يَعْدِلُهُ *** مَكْرٌ، وقَتْلُ رسولِ اللهِ مُنْحَسِمُ

إنْ يَمْكُرِ اللهُ فالمكْرُ الذي جهلوا *** من أينَ يأْتي؟ فمن غَيْظٍ إذنْ تَخِموا

وآلةُ المَكْرِ للهِ الفتى  الشمَخَتْ *** لهُ لتَحْمِلَ عَرْشَ البارئِ الهِمَمُ

فيا عليُّ أخوكَ المُصْطَفى وأَنا *** أَمَرْتُ تَفْديهِ، قالَ المُرْتَضى: نَعَمُ

روحي فِداءٌ لهُ، هذا أخي وأبي *** لا بلْ أنا هوَ، لكنْ وَهْوَ لي شَمَمُ

مكانَهُ أنا في هذا الفراشِ وفي *** ثيابِهِ، وأنا بالمَوْتِ مُلْتَثِمُ

جِبْريلُ يَحْميهِ.. ميكائيلُ يَحْرسُهُ *** هذا لدى الرَّأْسِ.. هذا دونَهُ القَدَمُ

ويل الألى مَكَروا.. هذا مبيدُهُمو *** في كلِّ حَرْبٍ سَتَأْتي حينَ يَقْتَحِمُ

مجرَّدُ الشَّزْرِ في عَيْنَيْهِ مَلْحَمَةٌ *** كُبْرى، فَكَيْفَ إذا ما راحَ يَحْتَدِمُ

يا صَلْعَةً لأَبي سُفْيانَ قد نَزَلَتْ *** عليكِ تَتْرى كَزَخِّ المُزْنَةِ النِّقَمُ

لا يَبْلغُ المَكْرُ شَأْوَ النَّصْرِ في يَدِهِ *** ما دامَ سَيْفُ عليٍّ فيهِ يَصْطَلِمُ!

***

جَدَعْتَ آذانَ من خَلْفَ النبيِّ سَعى *** يُؤْذيهِ حتى أصابَ الكَيْدُ نحرَهُمو

وكُنْتَ وَحْدَكَ سَيْفَ اللهِ يَنْصُرُهُ *** في قَلْبِ مَكَّةَ والأحْقادُ تَضْطَرِمُ

أَنْتَ الجيوشُ جميعاً.. إنَّها عَدَدٌ *** أصْلُ التَّشَعُّبِ فيهِ الواحِدُ الرَّقَمُ

وذو الفقارِ هُوَ السَّيْفُ الذي انْشَعَبَتْ *** منهُ السُّيوفُ وإلا ذلَّتِ الخُذُمُ

في يَوْمِ بَدْرٍ جميعُ الناسِ ما قَتَلوا *** نِصْفاً وأنْتَ قتلتَ النِّصْفَ دونَهمو

ونِصْفهم أنتَ كنتَ العَوْنَ، ما قتلوا *** أيّاً منِ الجَيْشِ لولا كُنْتَ عَوْنَهمو

وأنْتَ في أُحُدٍ حقَّقتَ نَصْرَهُمُو *** لكنَّهم إذ عَصَوا أمْرَ السَّما هُزِموا

فأنتَ مُنْتَصِرٌ والدينُ مُنْتَصِرٌ *** وهُمْ سوى مَغْنَمٍ قد خابَ ما غَنِمُوا

في الخَنْدَقِ الحَرْبُ حَرْبُ المُرْتَضى وَهُمُو *** قَوْمٌ جلوسٌ فلا قاموا ولا هَجَمُوا

هذا ابنُ ودٍّ يقومُ الآنَ مُرْتَجِزاً *** فمن يبارزُهُ إلا الفتى العَلَمُ؟

كانَ المدى كلُّهُ صمتاً على حَذَرٍ *** وفوقَهم بانتظارٍ طارتِ الرَّخَمُ

تريدُ أنْ تأكلَ اللحمَ الهنيءَ إذا *** ما أصْبَحوا جَزَرَ الأرْماحِ واخْتُرِموا

ويومَ خَيْبَرَ.. ماذا الحِصْنُ يَنْفَعُ مَن *** خلفَ الحصونِ اتِّقاءَ القَتْلِ قد جَثَموا

البابُ شامخةٌ جدّاً وعاليةٌ *** فمطمئنِّينَ  نامَ المَعْشَرُ الغُشُمُ

ها إنَّهُ الأسَدُ الضاري بزأرَتِهِ *** وهْوَ الذي ما لهُ إلا السَّما أجَمُ

لها تقدَّمَ، جبريلٌ بساعدِهِ *** ليَحْطِمَ البابَ.. تلكَ البابُ تَنْحَطِمُ

فِرّوا إلى المَوْتِ من مَوْتٍ يواجهُكم *** يا من حوَتكمْ حثالاتٍ بها الأُطُمُ

من صاحَ خيبرُ تدري بأسَ مَرْحَبِها *** فذاكَ مَرْحَبُها ترتادُهُ الرَّخَمُ!

***

دَخَلْتَ للبَصْرةِ الغرّاءِ تَخْطبُها *** وراحَ يُصْغي إلى ما قُلْتَ كلُّهُمُو

ثَوْبي دَخَلْتُ بهِ يا قَوْمُ بصْرَتَكُمْ *** فإنْ تَبَدَّلْتُ هذا الثَّوْبَ خُنْتُكُمو

رقَّعْتَ مِدْرَعةً.. يا مَنْ ترقِّعُها *** أًحْكِمْ خياطَتَها.. لكنْ سَتَنْخَرِمُ

افْعَلْ لها أيَّ شيءٍ، باتَ يُخْجِلُهُ *** لَكَ المجيءُ.. مُحالٌ ليسَ تَلْتَئِمُ

رَقَّعْتُها مُنْذُ أَعْوامٍ وها أَنَذا *** أُرَقِّعُ الآنَ حتى فُتِّتَ الأدَمُ

ان كان ذا الزهدُ حتى لبس مدرعةٍ *** تفتَّتَ الجِلْدُ مِنْها حظَّ مَن حَكَموا

فلا أُريدُ سوى رِزْقي وعافِيَتي *** وَعُذْتُ باللهِ مِنْ تاجٍ هُوَ العُدُمُ

قَدْكَ اتَّئِدْ، إنَّ هذا الحاكمَ افْتَخَرَتْ *** بهِ السَّماواتُ.. هذا الأشْهُرُ الحُرُمُ

هذا هُوَ الدِّينُ والآياتُ أَجْمَعُها *** مؤوَّلاتٍ، وهذا النّونُ والقَلَمُ

هذا هوَ النَّبَأُ السِّرُّ الإلهِ بهِ *** تَساءَلوا عَنْهُ، حتّى الآنِ ما عَلِموا

للْعِلْمِ آوِنَةٌ تَأْتي، فَمُرْتَسِمٌ *** خُطاهُ ناجٍ، وذا عاصٍ فَمُلْتَقَمُ

***

تَقولُ قبلَ رواحي للسَّماءِ سَلُوا *** أُجِبْكُمو.. يا إلهي هل بِهِمْ صَمَمُ؟

ما بالُهم كخيولٍ ملَّ سائِسُها *** وليسَ يَكْبَحُها زَجْرٌ ولا لُجُمُ؟

إن قُلْتَ أينَ -أوانَ الصَّيفِ- ما حَضَروا *** أوْ قُلْتَ أينَ -أوانَ القرِّ- ما قَدِموا

سوحُ الوغى صَفِراتٌ من حماسَتِهِمْ *** لكنَّهم عندَ بابِ الرَّغْبَةِ ازْدَحَموا

هم يَعْشَقونَ ذوي الحُكْمِ الألى عَدَلوا *** لكنَّ أنْفسَهُم تَهْفو لمن ظَلَموا

وربَّما فَجَروا في كلِّ مَكْرُمَةٍ *** في نَفْسِ وَقْتٍ لها عن تُهْمَةٍ رَجَموا

وربَّما قيلَ هذا الطِّبُّ يُعْجِزُهُ *** دواؤُنا، ونواياهم هيَ السَّقَمُ

ما يَفْعَلُ الطِّبُّ للقَوْمِ الذينَ إذا *** قيلَ احْتَموا من طعامٍ فاسدٍ طَعِموا؟

***

البِئْرُ يفهمُ ما جالَ الفؤادُ بهِ *** وما الفؤادُ؟ فؤادٌ دونَهُ السُّدُمُ

سَيَنْدَمونَ ولكنْ بعدَ أنْ سرَحَتْ *** في ظلِّ ذِئْبٍ وماجت تِلْكمُ الغَنَمُ

وما الثُّغاءُ بِمُجْدٍ.. سَوْفَ يأكلُها *** شاءً فشاءً، إلى أنْ يَنْتَنَ اللَّحَمُ

العَدْلُ مَحْضُ شِعارٍ للشُّعوبِ، فإنْ *** شِئتَ العدالةَ فعلاً كلُّهم نَقموا

وتَسْألُ الناسَ: أعْواني الذينَ أتَوا *** من قبلِ هذا..؟ ومن أعوانُكَ؟ انْعَدَموا!

هم أيَّدوكَ وكانَ القَصْدُ تَسْمَحُ أنْ *** في أرْضِهم لا سواها تُمْطِرَ الدِّيَمُ

أما وقد شئتَ عبدَ الناسِ مثلَهُمو *** ينالُ مِنْكَ عطاءً فالخصومُ هُمو

***

يا غالبَ الدَّهْرِ يا كرّارَ بارئِهِ *** يمضي الزَّمانُ وتَبْقى حينَ يَنْصَرِمُ

تِلْكَ العصورُ التي ناوَتْكَ أينَ غَدَتْ *** ها أنْتَ أنتَ المَدى.. ها إنَّها رَمَمُ

غَدَتْ قمامةَ أزْمانٍ تلَتْ ومضَتْ *** وعَصْرُكَ الفذُّ في الأعْصارِ يَحْتَكِمُ

كم شاءَ عصْرٌ دنيءٌ مَحْوَ ذكرِكَ.. لم *** يَعْلَمْ بأنَّكَ بَدْءٌ.. ثمَّ مُخْتَتَمُ

ورحتَ تجتثُّهم في الطفِّ يومَ بَغَوا *** ما كانَ أغْباهُمو.. ظنّوا أنِ انْتَقَموا!

هُمْ أجَّجوا بأياديهم جهنَّمَهُم *** فالنّارُ ساجدةٌ والقِبْلَةُ الخِيَمُ

كانوا هم البَهْم مِنْ حَيْثُ اعتقادُهمو *** بأنَّهم في حُروبِ العالَمِ البُهَمُ

ما أنتَ تَبْغيهِ نَصْراً كانَ واقعةً *** للنَّصْرِ، لا ما يشاءُ الذَّحْلُ والنِّقَمُ

وليسَ ذا ظَفَراً، بلْ خَيْبَةٌ عَظُمَتْ *** هذا الذي قيلَ عنهُ مَنْصِبٌ سَنِمُ

لو أنَّهم قَبِلوا ما اللهُ شاءَ لهم *** من فوقِهِم أكلوا.. من تَحْتِهم طَعِموا

شأنُ الخليفةِ شأنٌ جدُّ مختلفٍ *** عمَّن غدَوا قُرَناءَ السّوءِ إذ حَكَموا

الناسُ ليسَ لهم أنْ يَطْلبوا رُسُلاً *** بحَسْبِ ما يَشْتَهي الذوّاقةُ النَّهِمُ

من أجْلِ هذا صَناديدٌ عباهلةٌ *** أمْوالُهُم تَزِنُ الأطْوادَ ما احْتُرِموا

واخْتارَ ربُّكَ كي يُمْسي نبيَّهمو *** من كانَ فيهم يتيماً رَعْيُهُ الغَنَمُ

كما النبوَّة ما شاءَ الإلهُ لهم *** شأنُ الخلافةِ أيضاً ما ابْتَغى لَهُمو

واللهِ يُضْحِكُني.. واللهِ يَفْجَعُني *** وحُقَّ للعاقلِ الفهّامَةِ الألَمُ

حولَ الخلافةِ أنَّ المُرْتَضى مَعَهُ *** سَليلُ آكلةِ الأكْبادِ يَخْتَصِمُ!

***

بلاغةُ اللهِ في القُرْآنِ مُعْجِزَةٌ *** فليسَ يرقى لها مَعْنىً ولا كَلِمُ

لكنَّ ثانيَها واللهِ ما اخْتَلَفَتْ *** بلاغةُ المُرْتَضى، ذا نَهْجُها الفَخِمُ

إقرأْ بهِ ما ترى سُقْراطَ مُخْتَزَلاً *** في نَظْمِ سَطْرٍ، فما يَرْقاهُ مُسْتَنِمُ

يا فَلْسفاتِ جميعِ العالمِ اتَّئِدي *** فأنتِ لا شيءَ، أنْتِ العُهْرُ والوَخَمُ

وأنتِ إنْ قلتِ حقّاً فهْوَ مُمْتَزِجٌ *** بألْفِ أغْلوطَةٍ ذا حَقُّها الصَّنَمُ

دارت على الحقِّ مَحْضاً لا امتزاجَ لهُ *** بباطلٍ في لسانِ المُرْتَضى الحِكَمُ

تأدُّباً حينَما تُتْلى روائعُهُ *** تُطْوى الصَّحائفُ فيما يُكْسَرُ القَلَمُ

***

مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ مَوْلاهُ الوصيُّ وما *** لأيِّ عاصٍ إذا ما عَقَّهُ حُرَمُ

سَيُقْبِلُ المَعْشَرُ العاصونَ كالحةَ *** وجوهُهُم، من ورودِ الحَوْضِ قد حُرِموا

حتى وإنْ طُفْتَ بالبَيْتِ العتيقِ فإِنْ *** ما طُفْتَ حَوْلَ عليٍّ مَجَّكَ الحَرَمُ

إنْ لَمْ يَكُنْ حُبُّهُ قُطْبَ الحياةِ فلا *** حياةَ عِنْدَ ذَوي التَّقْوى سَتُحْتَرَمُ

قل إنَّهم جرَّدوهم من ملابِسِهم *** حتى رَمَوْا في تنانيرٍ جسومَهمُ

قُلْ إنَّهم نَحَروهم مثلما إبلٍ *** أوْ مثْلَما ظامئاتٍ تُذبَحُ الغَنَمُ

قُلْ إنَّهم شَنَقوهم بالحبالِ على *** الجسورِ وما كانت لهم رُجُمُ

قُلْ إنَّهم صهروهم في الأسيدِ إلى *** أنْ بالأسيدِ تماهى الكلُّ والتَحَموا

فلنْ يزولَ هيامُ الهائمينَ بهِ *** وهل تزولُ جبالٌ سَفْحُها قِمَمُ؟

***

أبا الحُسَيْنِ ولا أنْبيكَ عن خَبَرٍ *** بَلْ أنْتَ تُخْبِرُنا يا كلَّ من عَلِموا

لا بدَّ من جَهْشَةٍ في حالِ أنَّ دمي *** بكلِّ عاهَةِ حُزْنٍ راحَ يَزْدَحِمُ

أوْطانُنا، هَلْ أنا قد قُلْتُ لي وَطَنٌ؟ *** عذراً إليكَ.. أنا أرْوي كما زَعَموا

أوْطانُنا هيَ ذنْبٌ كالكبائرِ في *** أعْناقِنا.. ليْتَها -كي تُغْفَر- اللَّمَمُ

كم يُؤْلِمُ المَرْءَ إنْ مُسْتَغْفِراً وَطَناً *** يَعِشْ جحيمَ حياةٍ لَيْتَها حُلُمُ

بين الشَّبابِ وبينَ الشَّيبِ آوِنةٌ *** لعلَّها فَوْقَ ما يَعْني لكَ الهَرَمُ

الألْمعيُّ هوَ اليَبْني لهُ وَطَناً *** في وهْمِهِ.. دائِماً يَبْني ويَنْهَدِمُ

إن كانَ من كَذِبِ المِخْيالِ لي وَطَنٌ *** كذاكَ من كَذِبِ المِخْيالِ لي ذِمَمُ!

قد كُنْتُ أعْلَنْتُ للطّاوينَ في بَلَدي *** أنَّ البلادَ دمٌ.. قالوا سنَحْتَجِمُ

وَقُلْتُ إنَّ البلادَ الحُلْمُ طارَ بهِ *** سِرْبُ العصافيرِ وقْتَ الفَجْرِ فابْتَسَموا

قالوا إذَنْ فخذوا منّا جماجمَنا *** هديَّةً لكمو كي يَهْرُبَ الحُلُمُ

 

 

في نصوص اليوم