نصوص أدبية

عقيل العبود: سر الإبحار

akeel alabodنظر نحوها، كانت اشبه بالهة إغريقية، جداريتها معلقة في واجهة ما من واجهات متحف اللوفر.

عيناها بقيت هكذا تطل على نافذة، أهدابها كما شعاع شمس يسكن في غيمتها المطر.

الابتسامة تلألأت عبر قلب اختبئت معانيه عند دهاليز كتلة يخجل الضوء ان يكشف عن اسرار رقتها.  

الميناء الذي أبحرت سفينته عند نواحيه، قبطانه اطلق صفارته الثانية، بينما شىء من قبيل الأنبهار أعلن عن نفسه متزعزعا، إرضاء للهفة كانت تشده؛ تغريه، تجرجره بعيدا اليها.

 نهايات الأمواج كما رضاب عاشقة استل أنفاسها الورد.

 بقي هكذا حائرا يغور عند مفترق دوامتين؛ الفراق والشوق، البحر بقي منتصبا تطوف عند أروقته النوارس.

حاول ان يسترق السمع الى صوتها، أعجبه ذلك التناغم؛ هارمونيا المد والجزر، راحت تشده اليها بطريقة يصعب عليه ان يغادرها.

ثمة شىء ينبض فيه، رغبة ماض تشده الى تلك المساحات، الجزر، رحلة كولومبس، وماجلان، وغيرها، الغاز لا نهايات لها تلك العوالم.

خيالات وتصورات شتى، غريزة أزلية تدفعه كما لو انه امام مهمة مقدسة.

اجتاحته رغبة غريبة للإبحار معها، لكنها بقيت دون جدوى تنظر اليه بحيرة وشوق.

قفز مع نفسه كسندباد بحري، شعر بطاقة تجعل منه اكثر جرأة للمواجهة، تمنى لو انه يحلق بها، كما اجنحة اول رجل حاول الطيران.

الشعور الذي كان يهتف فيه قبل السفر، راح يدب في أوصاله مرة اخرى، يصعقه.

دوامة تحتويها تفاصيل لا يستطيع هو ان يقصها الى الاخرين.

كبرياؤه جزء من حقيقته، التي لا يمكن ان يكتشفها حتى من هو اقرب الناس اليه.

 اضحى صامتا، لكنه بقي مرتبطا مع كل نبض يخفق فيه، بقيت معه، كأنها تلاحقه.

هي اول امراة اغارت بنظراتها، ارتبطت بأحلامه  وهو يطلق العنان لرغبته المبحرة.

حاول الإمساك بشىء ما، ربما هو شراع سفينته التي ستطوف به، كما نظراتها بعيدا عن هذا العالم.

انتابه احساس عنيف، عرف انه سيفارقها تماما.

 بقيت معه لحظات طويلة، تسمرت عيناه نحوها، كأنها تستأنف الحديث، قرر ان يأخذ كل تلك الملامح معه، صفاء وجهها، جمال روحها، جميع مفردات انوثتها اصطفت عنده، تدفقت روحه مع الموج.

 قرر ان يزرع كل ما يتعلق بها بين طيات جوانحه، راح يلتمس العذر لنفسه متأملا، أعدها، راح يرسمها، استعاد جبروته.

بقي هكذا متسمرا، تستفزه مشاعره، اجال ببصره بعيدا صوب اقصى أنحاء تلك الجزر، لعلها تكبر في روحه نظراتها، التي ما انفكت تشده، لتحقيق ما يصبو اليه. 

 

عقيل العبو

 

في نصوص اليوم