نصوص أدبية

صادق السامرائي: مَقامات الأربعاء (1)

MM80المَقامة الأولى!!: حدثنا يحيى بن حيان وقال: إن المَقامة تعني المجلس والجماعة من الناس، والقوم، ومّقامات الناس: مجالسهم.

والمَقامة الموعظة التي تُلقى في مجالس الملوك والسلاطين، وإشتهر الخلفاء الأمويون والعباسيون بالمَقامات، وفي كتب التأريخ الكثير من طرائف المحاورات التي تحصل في الإجتماعات، والتي يمكن تسميتها بالمَقامات، لكن المَقامة في فترة من الزمن صارت تدل على الكدية وذلك بمخاطبة الناس لمدّ يدِ العون.

ومن المقامات المعروفة، مَقامات بديع الزمان الهمداني، ومن أشهرها المقامة القريضية والمقامة الجاحظية، وكذلك مقامات الحريري وغيره آخرين.

وقد برع الهمداني في المّقامة حتى صار مؤسسها ومن أبرز كتابها إذ حوّلها إلى جنس أدبي له طعمه ومعناه وفحواه ودوره في الحياة، بل أنه وضع بواسطتها البدايات الحقيقية لفن القصة أو الأقصوصة في الأدب العربي.

وتنوعت المقامات بأغراضها ومشاربها ودورها في الحياة العامة، بل وأصبحت في بعض الفترات موئلا فكريا ومعرفيا للحكمة والعبرة والتصوير الفني لواقع متأزم ومرسوم بكلمات ذات إيقاع مؤثر في الأسماع والقلوب والأذهان.

وقال يحيى بن حيان: أن المَقامة حية خالدة وذات مشاركات في حياة الناس، ولا تخلو منها فترة من الفترات، وإنها قد إتخذت مسارات ومسميات وتوصيفات تدل عليها ولا تسميها، وتكتسب من المكان إسما لها، فمن أسماء مقامات الحريري، المقامة الحلوانية والكوفية والبغدادية والدمشقية وغيرها.

والمَقامة العربية من أول فنون الكتابة القصصية، وقد أثرت على الناس في شرق الأرض ومغربها، خصوصا بعد التواصل ما بين حضارة الأندلس وأوربا، مما أدى إلى إنطلاق الفن القصصي ومن ثم الروائي.

وقد دعاني يحيى بن حيّان، أن أحمل رسالته وأدوّن أقواله وأشارك الناس بها، وهو يكرر على مسامعي: " الكلمة الطيبة صدقة".

فقلت: يا يحيى هل أن الناس ستحيى؟!

فقال:"مَن يعمل مثقال ذرةٍ خيرا يره" (الزلزلة:7)

وأضاف: " ومَن تطوع خيرا فهو خيرٌ له" (البقرة:184)

وذكّرني بقول الحُطيئة:

"مَن يفعلِ الخيرَ لا يَعدَمْ جَوازيَهُ

لا يذهبُ العُرْفُ بين اللهِ والناسِ"

والحق أن "مَن يفعل الخيرَ يَغنمْ"!!

قلت: يا يحيى، لك ما شئت، وسأكون طوع لسانك وصوت ذهنك.

فقال: لنبدأ مَقاماتنا "فكل معروفٍ صدقة"!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في نصوص اليوم