نصوص أدبية
حسن رحيم الخرساني: أربعُ مسافاتٍ للسواد
وأنا أفرشُ إلى رأسي بساط َ الذكريات رأيتُ في جسد الليل صورتي فمنحتـُها إجازة ًكي تزورَ وجودَها على نهر ِ دجلة. المهم إنّ بساط َ الذكريات اختارني في هذا السواد لأكونَ رسولا ً له ُ بينَ رأسي وقلمي الذي كانَ مشغولا ً بغيوم انعكاسي ـ وطبعا ً لاشأنَ له ُ (قلمي) بجريمة البساط ـ ، وكذلك لا شأنَ لي بهذه ِ الرسالة ِ وذلك لأنني بلا رأس حينما قررتْ البلاد ُ التي أ ُقيم ُ فيها وقالتْ إليّ وبالحرف الواحد( إنكَ ـ إننا نشاهدُكَ رقما ًمـُتهما ً)
وستبقى إلى الأبد ـ في عيوننا ـ مـُتهما.
قالَ الحاكم ُ: أنتَ لغة ٌ يـُشكلـُها القانون ُ.
قلتُ له ُ سيدي.. وقبلَ أنْ أتكلمَ (رأيتُ في عينيه ِ مشنقتي) حينئذ ٍ عرفتُ لغة َ البلاد مثلما صدّقَ الحاكم ُ نفسـَه ُ وكذبَ رأسي.
لهذا قررتُ أنْ أفرشَ بساط َ الذكريات على طريقة ِ ديمقراطية ِ القانون وأتجول ُ بلا رأس وأكتبُ ذكريات مدينتي
Trelleborg
والتي أنا فيها رقما ً مـُتهما ً.. متهما ً أمامَ القانون الذي يتسلى بي.. يتسلى بإنسانيتي ويضحكُ على ذاته ِ.. ويقينا ً ليس على واحد ٍ مثلي ـ يضحك ُ بالمساواة ـ
2 .
من جديد تتقدمـُني كرة ُ الوقت ِ وهي تتعثرُ بخيال ِ جاذبية ِالمكان.
لماذا أنا ؟
ولماذا تختارُني هذه الكرة ُ ؟ ضحكتُ معها.
ربما ـ قلتُ ـ هذا قدري.
لكرة ِ الوقت عينان بينهما مسافات تأريخي( أنا كرة ٌ أيضا ً.. لكنّ أمي رفضتْ أن تعترفَ بي بعد ولادتي لأنّ الخبزَ في مدينتي مـُتخم ٌ بالزجاج والحجر وأشياء أخرى، لهذا أصبحتُ ــ في عين أمي زوايا يـُعشعشُ فيها الرماد ُ.
أمي تقول ُ: أنتَ تنورُ محبتي، أخبزُ فيكَ أنواري قبلَ أنْ تولدَ، لكنّ الشمسَ كشفتْ لها خيانتي برحيلي عنها.
تركتـُها تخبزُ موتـَها في بلد ٍسرقَ منها تنورَها،لذلك أعتبرُ نفسي كرة ً للذكريات وأخرى للخيانة .
من جديد تتقدمُني كرة ُ الوقت.
للكرة ِ قدمان يـُشكلان ترابي على أمزجة ِ حدائقهما لهذا أنا سليل تلك الكرة
( الوقت) بالشكل والوريث الشرعي لها بخلود ِ أسرارها. من هنا أحببتُ ـ وبالتأكيد ـ أن أتعثرَ بجاذبية المكان ـ مثلها تماما ً ـ
3 .
كنتُ على نهر ِ دجلة وكانتْ معي طفولتي( أقسمُ ) بأنني لم أحبْها ولن أحبَها بل إنني بقيتُ متورطا ً بمذاق ِ إشعاعاتها السوداء حتى وأنا في السويد. ثم تسألني لماذا؟
أقولُ: كيفَ لي أنْ أحبَ طفولة ً حبلى بتفككي!
كيفَ لي أنْ أحبَ طفولة ً عجنتْ رأسي بمسحوق الخوف ؟
كيفَ لي أنْ أحبَ طفولة ًجعلتْ مني نشيدا ً للهزائم ِ ؟
وكيفَ لي ... لكنني على نهر ِ دجلة أغسلُ الطريقَ إليه ِ وأغني :
في الأربعينَ من العمر ( وبلا طفولة )
ومازالَ يتذكرُ رقصات النوارس وحزنَ النخيل والجنوبيات بشفاه ِ الصباح يتبسمنَ أمامَ الموت.. ومازالَ يتذكرُ ولا يتذكر!
4 .
على أصابعه ِتبتسم ُ دجلة ُ ويجلس ُ الفرات ُ وهو يـُعيد ُ للذكريات ِ أثوابَ النخيل عندما يـُشردُها الخجلُ نتيجة َ قطراتُ المطر التي تكشف ُ سرَ إكتمالها بالطين!
قالتْ: شنينة ُ ـ 1 ـ
ما علاقة اللبن بالديمقراطية ؟
قال اللبن :
أنا مع السياسة بالبياض كاشفا ً لها أبوابَ اللعبة ِ بإتجاه النهر ومع هذا
ظلتْ دجلة ُ تبتسم ُ أما الفراتُ ولأول ِ مرة ٍ ربط َقوانينَ الرحيل بإنتهاء صلاحية حبوب منع الحمل .. ولأول ِ مرة ٍ
ربط َ قوانين َ الرحيل ِ بإشتعال ِ المسافات ِ بالسواد.
السوادُ أ ُغلقَ أخيرا ًــ ولكن موقتا ًـ بسبب ِ الحواجز الكونكريتية التي تتركز ُ في الرؤوس.
ــ رؤوسُ أصابعي ــ طبعا ً!
الشاعر: حسن رحيم الخرساني - السويد
------------------------
شنينة: أحدى الجنوبيات كانتْ تبيع اللبن في العمارة