نصوص أدبية

قبل وبعد

كانت ممتلئة الجسم بتناسق انثوي، تحرص على اناقتها، وذات وجه متواضع الجمال تشاركه الغرفة، احيانا  ُتقرِّب كرسيها الى جانب مكتبه لبعض الاستشارات، الامر الذي جعل عدم التفكير في عطرها وتمني قربها اكثر ليس يسيرا.

لم يجرؤ حتى على التفكير بالتقرب منها على الرغم من عزوبيته التي طالت، فالعائق واضح . نصحه نظراؤه من زملائه بعملية لشفط  ما خزّنه جسده عبر سنين حرص فيها على عدم حرمان نفسه من زينة الحياة الدنيا، ليس المال والبنون، بل ما فاضت به الصحون.

أحصى الرجل مدخراته من وظيفته التي ترقى فيها مؤخرا ودفعها الى القصاب الذي أزال الزائد من شحمه ليخلفه لحما وعظما فقط.

عاد الى مكتبه بعد فترة نقاهة، الكرسي يتسع الى وسادة يمكنها ان تشاركه فسحة جديدة بعد أن قربت المسافة بين المكتب والكرسي وتحول الفضاء المزدحم به سابقا الى حميمية مرتبكة بين جسده الجديد والاشياء وكأنه يراها ويلمسها لأول مرة حيث الاحاسيس اصبحت تتسرب من انامل مفتولة رشيقة الى جسد مماثل.

أثار اعجاب زميلاته وزملائه في العمل، ودارت احاديث مطولة حول انجازه العظيم وما سيحصده من مكاسب في المستقبل تدل على نجاح مشروعه . كان يبتسم بتكلف مع  كلمات تشرح ما حصل معه باقتضاب يبعد حرج التفاصيل. أما هي فتقديم المشروع المستعجل كان يأخذ جل اهتمامها ولم تزد سوى عبارة  (الحمد لله على سلامتك) على فيض الاستفسارت الموجهة له حول العمل.

 

انتهت ساعات دوام اليوم الاول بعد عودته الى العمل، اسرع الخطى الى بيته . احس بكآبة تسري فيه، ظل يصارع لتحاشيها وشغل نفسه عنها دون جدوى،  كانت اكبر دوافع كآبته نظره الى المرآة الواقفة بتصلب في زاوية غرفته وكأنها تترصده لتشي بما ظل يهرب منه طوال فترة نقاهته من العملية .

استسلم لإحساسه الكئيب اخيرا، ليس لشيء بل ليعرف كنهه. أدرك بعد فترة صمت جالسا أمام المرآة بأنه يفتقد لما كان يشغل الفراغ حوله .. لبقية جسده .. لما كان يتكىء عليه بدل الوسادة .

راح ينأى عن المرآة وتفحص الهواء من حوله وتذكر ما نقص منه، زاد تواتر الاسئلة الملحة على نفسه، هل ابدو اكثر وسامة؟ أكثر جاذبية؟

فاضت دمعة بالكاد تداركها قبل نزولها بسرعة قبل أن تنسيه اولوياته، أن عليه شراء ملابس جديدة بمقاسات اصغر ويفرغ دولابه من محتواه الى الابد.

 

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1271 الثلاثاء 29/12/2009)

 

 

في نصوص اليوم