نصوص أدبية

مَقامات الأربعاء (2)

MM80حدّثنا يحيى بن حيّان وقال: تدحرجت الأيام، يحدوها إضطرام، فوق سفوحٍ تعبّدها الآلام، ويتسلقها إحتدام.

ومضت إلى وديانٍ من النيران، تتراكم فيها الويلات بالأحضان، فيرتعب منها كل مخلوق وإنسان، وتغيب الآثار والصور في الأطيان، وتنطق بلسان حالها الأشجان، وتحدّث عن أهوالها البالغة العنان.

فتداهمت العواصف الهوجاء، وتناهبت الأرجاء، وغابت السماء عن بصر الأحياء.

وقال منبها: "واغنم من الحاضر لذاته...فليس في طبع الليالي الأمان"!!

وحدثنا عن زمن كان فيه الإنسان يحترم الإنسان، في بلدٍ يشيع فيه الخير والأمن والأمان، وترفرف  عليه السعادة ويغمره جميل الإطمئنان.

لكن الزمان يتغير بتبدل السلطان، والله له في كل يوم شان، وكل مَن عليها فان.

"وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت" (لقمان: 34)

"وما الأرض  إلا مثلنا الرزق تبتغي

فتأكل من هذا الأنامِ وتشربُ"

فالدنيا دولاب أحزان، وناعور خسران..

"ومَن عاش مات، ومَن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت"

"وإذا المنيّة أنشبت أظفارها

ألفيتَ كلّ تميمةٍ لا تنفعُ"

 

"وما المال والأهلون إلا ودائعٌ

ولا بدّ يوما أنْ تردَّ الودائعُ"

 

لكن الناس لا يعتبرون، وبالضلال يعمهون، وعلى سطوح الآثمات يتدحرجون.

"فما أكثر العِبَر وأقل الإعتبار"

فتراهم يقاتلون بعضهم، ويهضمون حقوقهم، ويغمطون دَوْرهم، ويستثمرون في شرهم.

فخيرهم مجحود، وظلمهم موعود، وبعضهم موقود، كأنهم وحوش تفترس الموجود وترغّب بالصدود.

فالويل من الإنسان، فالسوء حصان، والحكيم مُستهان، والسفيه صاحب التيجان، والعالِم هربان، والدين قال فلان وأفتى علان، والدنيا تتقلب فوق النيران، والناس دجاج وصيصان، والحاكم بأمر الآخرين، يصول في حلبات الخانعين، عبدٌ يقود المُستعبَدين، ويرهنهم بالمُهين.

 زمنٌ الدين فيه عجين، تصنع منه ما تريده من الأفانين، وتغرر بها ملايين المساكين، وتأخذهم إلى جحيمات الأنين، وتسفح أرواحهم ودماءهم على رمال الأفك المبين!!

وختم يحيى بن حيان مقامته بقوله: " إني وجدت الأمر أرشده...تقوى الإلهِ، وشرّهُ الإثمُ"

فقلت: وهل نحن في زمانٍ إختلط فيه معنى التقوى بمعنى الإثم؟!!

لكنه حدّجني مندهشا وأخذني إلى مقامة أخرى...!!

 

د. صادق السامرائي

 

في نصوص اليوم