نصوص أدبية

حشد الله.. ونذور الامهات

نذرته امه خادما للامام، باول حركة من احشائها، وحين سحبته المولدة من قفاه، وقصة حبل المشيمة، وتحرر ككائن بشري جديد ورقما الهيا مستحدث على الارض، ومع صرخة البكاء الاول له .. امتزجت صرختها بصراخه، محشرجا كان صوتها، وهي تراه للوهلة الاولى وكانه البدر في لليلته الأولى، انتفضت اوصالها واتسعت هالة السواد حول عينيها، بلا وعي هتفت: يا الله...هذا قربانك الجديد لابن بنت رسول الله، امامي وإمام العالمين، وسيد الكونين، وسيد شباب اهل الجنة..

ادركت نشوة الدفء فأسرعت تلم صغيرها على صدرها فزال وجعها وخوفها، ولكن الحزن خيم وبان على محياه.. لان زوجها لم يكن الى جانبها، اخذته الملائكة متضرجا بدمائه، بعد ان غدرته الايادي المتشيطنه باسم الطائفية...ذبحوه علنا امام العالم ..واصوات النشاذ من شيوخ ورثة قطع الروؤس تعلن تكفيره ..عرفتهم الدنيا بأسرها، لان فلم ذبحه مروجا على كل القنوات والوكالات، وبحث (الكوكول والياهو) سرعان من تظهره يذبح على اصوات(تكبير).. بقت لسنوات عمر ابنها وحيدة في بيت صغير بالقرب من حرم سيد الاحرار والشهداء، حافظت على كل توصيات زوجها، وعاشت برغبات محدودة ،واعتصمت الحديث والخروج والاصدقاء والاقرباء الا ما ندر، فنادرا ما ذهبت الى ابعد من دكان البقالة القريب من بيتها ويبدو ان من حولها من جيران ومعارف لم يمنحوها اهتمامهم ابدا، وقد دابت على المحافظة على زيارة الامام الحسين واخيه ابا الفضل العباس، وعلمت ولدها في مدارس الامام بصمت وكبرياء، حتى بان شابا يا فعا شبيها بابيه، وعوضها الحرمان وسد عنها بغيرته الحسينية التي شب عليها ما عجزت عن توفيره له كطفل، ارضعته وهي صائمة لله تعالى واشبعته وهي جاعة، وغذته الحلم والشهامة والكرم، يخدع بملامحه الجميلة وسحر عينيه وشعره الاسود الفاحم كل من يراه، يشار اليه برجل حكيم ومثقف، رغم انه لم يكمل عامه الرابع عشر بعد ان زورت امه وثيقة رسمية، يحاسب عليها قانون العقوبات بالسجن والغرامة، ليصبح بالغا...

بقي نذرها ساري المفعول حين تتحدث معه وتلاطفه كي تفرح قلبه الصغير ..تذكره دائما بأنه "منذور" لخدمة الامام، وانه قربان جاهز له متى شاء الله ذلك، والان يا ولدي ان الاوان لتكون اسما في لائحة الشهداء المدافعين عن العقيدة والمذهب ومقاتل شجاع في سبيل ما تركه الامام الحسين من مقدسات وحرمات بدمه الطاهر... اذهب يا ولدي وكن شهيدا او ترجع الي ببشارة النصر..

قبل يدها والتحق بصفوف المجاهدين من ابطال الحشد الشعبي الذي قدسته فتوى (الجهاد الكفائي) من قبل امام الامة ومفتيها وزعيمها الاوحد بعد صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)... تاركا دراجته الهوائية التي قاسى حتى اشتراه بنقود حصالته كي يلهو بها في العطلة الصيفية مع اصدقائه ليلتحق بحشد الله..

شعر (احمد الكربلائ) بأنه رجل ومقاتل شجاع وحارب ببسالة جرذان العصر بعد ان تدرب على كافة الاسلحة، اغبطه شوق كبير الى يقدم روحه قربانا لنصرة الحق، وانقطع (أحمد) عن العالم وهو يعانق الموت في كل معركة، وليس امام ناظريه سوى رضا الله والحسين وامه.. قاتل قتلا الابطال لم تغمض له عين وهو يجندل كل ما يقع عليه بصره حتى القت ملائكة الرحمن القبض عليه فجرا، في فلوجة العراق وحملته بأجنحتها ، كشفت امه الغطاء عن وجه، وجده وهو يغط في نوم عميق مبتسما، كبرت باسم الله العظيم بأعلى صوتها، وهي تهزج: صعد الغالي (احمد) ملتحقا بعلي الاكبر ابن الحسين في الفردوس..! ناثرة على نعشه بقايا نذروها، قربانا لله العظيم وللحسين الوجيه.

 

حيدرعاشور

 

    

في نصوص اليوم