نصوص أدبية

فارس الزمن النبيل

إلي حسين البلتاجي من زمن الراكضين في الغيم .. روحك تحلق حولي لم تزل

تسكن الحروف في الفيافي. والكلام في الكتاب يا خال ""

ما قرأته كان أحد أسباب الوجود، صراعك الوحشي في الصباح الفارد جناحيه في الحارة نفسها، وضوء يفرش دهشته على الظلال المعتمة، الذي هو نفسه صباح الفل، والفول النابت.. الكشري المعجون بماء النهر وأنت في وسط ذلك فارع الطول تمشى يبطئ، تخرج كل يوم، والخواء ينهار تحت ثقل قدميك، حاجباك معقوفان بما فيه الكفاية، تصرخ في الواقفين..

تقول للرجل ببسمة خفيفة "بربع جنيه فول يا محمد"

تهتز أوداجك وتمضى مُتدحرجا، ساكنا بلا هدف، لما تبصق الآخرين من فمك المتطاير ويدك الممسكة بقلم أزرق فرنساوي، تديره في يدك وتنظر إليه بود، تملأ أوراق البطاقات الشخصية والعائلية، تغير محل الإقامة والبدل التالف والفاقد، جنيهان ونصف، ولتغير العنوان جنيهين فقط.

أعصاب ركبتاك الموجوعتان دوما بداء البرد، تأن، ظهرك المحنى قليلا ملئ بصبر جميل، تحت شمسية هادئة في ركن بمنديل أبيض خلف وجهك، غسلته أم شريف وعجنته بصبرها عليك، وعلى غربتك تناوله لك وتدعو أن يرزقك الله

وتغرب من أمامك كما تقول.

ما قرأته يا خال هذه الأيام ورسالتك الأخيرة لمستجاب الأخير

أو السادس عشر –

اسكت واسمع وسأحكى لك ما حدث.

رسالة جاءتني من البلتاجي الكبير، دعتني للقيام وللخروج وللرحيل، كان يقف عند دار العمدة ويشخط فيه.رأيته هو نفسه. بذات وجهه المضئ، يمسك عكاز في يده ويلوح به في وجه العمدة ويضحك،

تسكن الكحة مكان الحروف، تمضغ الرذاذ وتبصق السجائر العفنةـ تلعنها، وتلعن أبوها وأبوك والآخرين تلعنهم، تخرج تفلة من فمك لتطاردك الأنفاس، تلهث لأنهم لم يزوروك بالمستشفى في المرة الأخيرة، تأخذ أنفاسا كثيرة لاهثة، ثم تعاود الابتسام الحزين، هادئا، تقل رعشة عيونك متوحدة في حزن صافى خالا من الكحول

تمر امرأة تنظرها من أولها لأخرها.. تتفحصها بعينين كليلتين عاجزتين حادتين.. وسطها والدائرة والإرداف

تقول (يا عيني على الصبر يا عيني)

تطلب الشاي بصوت زاعق

ماذا تقول يا خال

- " اسكت ياله أش عرفك أنت "

ما الذي تعرفه يا خال، وأنت موجوع بما يكفى تسكن في دهليز قديم وليس معك مفاتيح شقة في رأس البر ولا معك بيت صغير فى " شط جريبة " تشحذ المفاتيح وتتنمر في الجلوس معهم تترك الحروف في فيافي الكلام الذي في الكتاب وتمضى. وماذا بعدما أقلقتني وجئت بي إليك.. تضحك وتقول عرفت أجيبك

وماذا بعد الضحك..

تبكى العبارات تصرخ في النشيج وتقول أنك غير قادر على استعادة الذاكرة وأن كل شئ ينتقل إلى القادم المستحيل أنت العارف أحوالي تصف دواء العشق لي وتصف لك زجاجة معتقة صغيرة.

- وتقول: عارف مفيش حد أحسن من حد

- عارف.... أهز لك رأسي بالإجابة نعم عارف

- تقول: أنا بقى موش عارف... تضحك ويزداد السعال، يهيج صدرك المحبوس مع الأنفاس، يرتج الجسد رجا، يحمر وجهك، تقف علي جانب الشارع تمسح ما سقط من فمك. تضغط بيديك على يدي تتساند علىً، غير أنك تتمدد على سرير هناك في الأعالي... وتسألني عن بقية السجائر في جيبي.

أين أنت يا خال ؟

في حرف الجر أم أدوات العطف، في النزاع الأخير على ندوة عفنة سوف تعمل تكريما لك. بعد موتك، تسكن اللغة العقيمة عندي.. تنام ببطيء شديد على ذاكرتي، واراك على رصيف خاو من المارة، تجلس في عز النهار... كي أراك في عمري خطوات طويلة وأعزك أنت وآخرون لا أنكر..

ماذا بك يا خال ؟

غريب في بلادي والناس في بلادي غرباء ليس مثلك، لا تصدق، تكتب الأصدقاء القدامى والآخرون الجدد، تعترف بالحب وبالتجربة، بالصدق تسكن حزن الكلمات في عينيك.. تقدم اللذين تعرفهم، تبتسم للذين لا تعرفهم

ماذا بك؟

أنت النائم عند الشئ الأخر فينا، معروك بين جلا لين، وليس ثمة شئ يدل على ما فيك \ أنت الوجه الأخر للضحك الصاخب، أو للحزن الصاخب. ماذا بك الكلمات المنطوقة في أيقونة سحرية تعترف فيها بالحزن وبالعار وتخرج أوجاعك

- ماذا بك يا خال ؟

أخر حلم يغرق منك في لجة بحر أعمق من كل الكلمات

أعمق من حفرة أرض تحويك، وتحوى جوفك هذا المسكين المسكون بنار الأشواق العارمة المشتاقة، هذا الأبدي الخائف فيك من القادم دوما.

- ماذا بك يا خال؟

- اسكت ياله أش عرفك أنت؟

 

قصة قصيرة

أشرف الخريبي

 

في نصوص اليوم