نصوص أدبية

الطَّاقِيَّة

hamed fadilعن أي ليالٍ يا سيدتي تتحدثين، أي ليالْ!؟.. ليالي الملوك، السلاطين، الخلفاء، الولاة، التجار، الفجار، قادة القلب، الميمنة، الميسرة.. أي لَّيالٍ يا سيدتي، أي ليالْ!؟.. ليالي الغزو، الفتوحات، السلب، النهب، الاغتصاب،.. ليالي السيوف الباترة، الرماح الفتاكة، الخناجر المسمومة،.. ليالي النفاق، التآمر، الغدر، الذبح، قطع الأيدي والأرجل من خلاف.. ليالي الوجوه المقنعة، العقول الماكرة، الألسن الكاذبة، الأيدي الطوال.. الليالي المتخمة بلحم الأباعر، الغزلان، الضأن، الديكة.. ليالي المشموم، أَزْقاق الخمر، النبيذ المعتق.. الليالي الضاجة بنقر الدفوف، هز الخصور، الغناء الماجن، الشِعْرِ الخليع.. الليالي الدافئة بأجساد سيدات القصور، سراري الإماء، جواري النخاسة، سبايا الفتوحات، وما ملكت الأيمان.. ليالي الغانين والغواني، ليالي المخادع، أزيز السُرِرِ، طبول القلوب، شهقات الصدور، نَفْثات الآهات، الأنفاس المتلاحقة، الماء الدافق.. ليالي المُخْمِل، السندس، الإستبرق، الحرير.. ليالي الجنيات المكسوات بأثواب الريش، عرائس البحر المتلفعات بعباءات الأمواج، المحظيات الفارعات العاريات السابحات بأحواض الحليب.. ليالي الشعور المسدلة كأعراف الأفراس، الأعناق البارقات كالسيوف، العيون المظلللات بأجفان الغزلان، الوجنات المخضبات بماء الرمان، الشفاه المكتنزات بالعِناب، النهود الناهدات كالشمام، الخصور الضامرات كالقصب، السيقان الممشوقات الحارسات للجزائر البكر، أوراق التوت الساترات لشقائق النعمانن.. ألِمِثْلِ تلك الليالي ادّخرت الحكايات ولَضَمْتِها في خيط مسبحة الزمان!؟ حتى إذا كان عنقك على بعد قُبْلَةٍ من السيف، ولم تعد تنفع شفاعة القصيبتين، توسط الجبهة، زجج الحاجبين، حَوَرُ العينين، شفق الوجنتين، رصعة الخدين، شمم الأنف، حمرة الشفتين، بسمة الثغر، نصاعة الأسنان، تَلُعَ العُنُق، كعَبَ الثدي، ضمور البطن، نحول الخصر، نعومة الأنامل، بياض المعصمين، اكتناز المؤخرة، ارتجاج الردفين، امتلاء الساقين،..تفاديتِ بدرقة الحكايات ظبة السيف، فلبث في غمده ألف ليلة وليلة.. أأبالغ يا سيدتي إذا قلت انك الأنثى الوحيدة التي لم تُخلق من طين، وأن الرجل الذي كنت تحته على سرير من الذهب الخالص المرصع بالجواهر المنتقاة من خراج الأمصار، هو الذكر الوحيد الذي يمتشق في كل ليلة سيفين لينحر النساء من الأعلى ومن الأسفل.. ذلك رجل لم يكن مثل ذكور الأرض الذين تدوّخهم رائحة الإناث.. انه الملك الذي خلدته في حكايات لياليك، في كل ليلية حين تُحْمَلُ عذراءٌ إلى مخدعه، يراها بسمعه لا ببصره، فالتي لا تجيد نسج الحكاية بنول الكلام، أقرئي عليها السلام. حتى إذا خَلَتْ المملكة من أبكار النساء. سُقِطَ في يدي أبيك الوزير، فزفك إلى الملك الكبش. ضحى بعنقك وموطن عفتك، ليبقي على عنقه ورمز ذكورته.. وفي ليلتك تلك، قارعت السيف السفلي اللدن بدرقة بكارتك، وأنت منتشية بألم الطعن اللذيذ، ولم ترفعي الراية البيضاء إلا بعد أن صُبغ فراش المخدع الملكي باللون الوردي الشفيف، عندها انسحب السيف اللدن، وطأطأ رأسه قُدام بوابة قلعتك الواطئة بعد أن فُتحت على مصراعيها ودخلها دخول الفاتحين.. وقارعت السيف العلوي الصلب باللسان، نفضت جراب حكاياتك في حضرة الملك، فغيرت اللعبة من الذبح إلى الاستماع حين رحت تغزلين الحكايات بمغزل الليالي، ولم تنكثي غزل حكيك المحكم.. تناسلت ليلتك تلك يا سيدتي  لتؤسس سلالة ليال تجاوزت الألف بليلة واحدة، وتعلن عن انتصار اللسان الفصيح على السيف الناحل.... دعيني إذن استهل حكاية هذا الصباح فأقول: بلغني أيتها الراوية السعيدة أن شاباً بغدادياً كان يعمل في بادية السماوة العتيدة.. وأنت تدرين أني ميال إلى تسليم زمام الحكاية إلى حاديها، لذا سأحضر إلى خيمة هذا الصباح ذلك الرجل البغدادي فهو أحق مني بسرد حكايته، لنغمض أعيننا لحظات كي نراه بأعين مخيالنا. ثم نفتحها حين يدخل خيمتنا، ويتخذ متكأً له قبالتنا.. ها، أترينه الآن كما أراه. سأخبئ لساني، وأنت خبئي لسانك أيضاً، لنترك أسماعنا لحرث لسانه، أكاد أجزم أنك تسمعينه الآن، أتسمعينه؟.. حقاً! أهنؤك يا سيدتي، فقد بلغت وجد  الحكاء واقتربت من طقوس الحكاية، لا.. لا تشيري إليه ولا تهمسي لي، فأنا أسمعه بكل وضوح، ها هو يستهل حكايته فيقول: يوم كنت مقبلاً على الدنيا وأنا في أوج الشباب، شفعت لي درايتي باللغة الانكليزية، فعُينت بوظيفة مأمور مخزن في شركة أجنبية تعمل في التنقيب عن النفط في صحراء السماوة، التي مثلما سحرتني بالمتشابه وغير المتشابه من الكائنات التي أثثها بها مَنْ سفح الرمال على أرض خيمتها المنصوبة بين أوتاد المشرق والمغرب، سحرتني بذلك البدوي الحارس للمخزن، والذي كان يقوم بتنظيفه وترتيبه أيضاً، ومساعدة العمال في نقل قطع الغيار منه وإليه.. ألقى ذلك المتختم بعدة خواتم دلو شغفي في بئر مخيلته، فأترعه بالعجيب والغريب من الحكايات، وراح يسكبه على مخيلتي الهامدة، فاهتزت وربت وأنبتت ألوناً من الأحلام المرعبة التي أحالت ليالي إلى أجربةِ كوابيس. أُستهلت منذ أول ليلةٍ بتُ فيها معه في (الكرفان) المخصص لمبيتنا بنزع كوفيّته ووضع طاقيته، ليكشف عن صلعته المنسابة كساقية بين لوحين من الشعر الأشمط، ولأنه فخور بتلك الطاقية، فقد عمد إلى قلب بطانتها ووضعها على بعد نظرة من مطرحي، وانطرح على مطرحه وهو واثق من إثارة فضول الأفندي الشاب الذي لم ير مثل تلك الطاقية قبل مجيئه إلى الصحراء.. أعترف أني لم أر ما يشابهها من قبل، ولكني حين لمحت في عينيه نظرة الغرور وهو في انتظار السؤال، تمترستُ بالصبر لأغضه. يبدو أنه لم يكن ليصدق أنَّ طاقيةً مكتظةً بالخرز والتعاويذ والطلاسم لا يمكن أن تثير فضول ولدٍ حضري قدم من عاصمة ألف ليلة وليلة إلى عاصمة ألف صباح وصباح، لذا راح يحمل طاقيته، ينفضها قدام عيني، يمسحها بكُمه، يجسها بكفه، ثم يضعها قرب وسادته.. نجحت محاولاته في استدعاء تعاطفي، فسألت بصوت متقطع بالتثاؤب عن ماهية الكائنات المحتشدة على قماش الطاقية، وكما ينفجر الماء المحبوس تحت قشرة الأرض عند أول ضربة معول، انفجرت الكلمات من فم الحارس: أتصدق، لو أعطوني مال قارون ما فرطت بطاقيتي. (ترى ما سِرّ الطاقية التي تساوي أكثر من مال قارون؟)، بفراسته أبصر البدوي خيول الفضول التي داهمتني، قرَّب الطاقية من عيني: أنظر إلى هذه الخرزة الصغيرة. (طار النعاس الذي عشعش بين أجفاني)، جس الخرزة بسبابته: هذه التي في غرة الطاقية. (اتسعت عيناي)، مسح وجه الخرزة: أترى الصورة التي أرى؟ (طاشت سهام نظراتي،  كيف يتسنى لي وأنا ابن بغداد أن أرى ما يرى أبن البادية السارحة عيناه في الآفاق المفتوحة!)، حدق بي كأنه يروزني: ألك أمٌ تطارد الذئاب بعصا الراعي كأمي، أو جدة تغذي مخيلة حفيدها بالقصص الغريبة كجدتي.؟ (لا تشابه قطعاً بين أمه وجدته وأمي وجدتي)، أنقلب على بطنه: ها ألم تر صورة ما في الخرزة.؟ (أرجحت رأسي يميناً وشمالاً) لم يزعزع نفي يقينه بخرزته، أسند حنكه إلى كفيه: أتدري أن الذئاب هي المخلوقات الوحيدة التي ترى الجن الذين لا يراهم ابن آدم.. أسمعت بما يرويه الشيبة الثقاة وتؤيده الجدات المعمرات عن العِداء الفطري بين الذئاب والجن.؟ (أعترف أن ذلك البدوي يجيد عرض بضاعة الكلام، فأنا طبعاً لم أسمع أية حكاية من الحكايات المنسوجة في سجادة الرمال المفروشة تحت سقف خيمة الله المنصوبة بين سين السماوة وحاء الحجاز) طعن الوسادة بكوعيه: أجزم أنك لم تسمع، لذا فاسمع ما ترويه الصحراء.. تقول الحكايات المحكية في بيوت الشَعْرِ، وقرب مواقد الغضا. إنَّ من بسط الرمال، وفجر العيون، وأنبت الكمأ. خلق الذئاب وذراها في الصحراء لتفترس الجن الذين يُرهبون السارين في ليلها، والساربين في نهارها.. أتدري أن الذئب هو الحيوان الوحيد الذي يرى الجني بعينين كأنهما نجمتين في سماء الصيف، فإذا رآه، أغار عليه ليقتله ويأكله، حتى إذا تدلى لسان الجني من الجري، ولم يجد في عباءة الليل ما يستره عن عيني الذئب، انقلب من هيئة الجن إلى هيئة الخرز، فيسارع الذئب إلى التبول عليه ليظل على حالته، فإذا قُيض له واحد من أبناء آدم العارفين بالخرز مثلي، حمل خرزة الذئب تلك ودسها تحت وسادته، ليستضيف في منامه الجني الذي يسكنها ويساومه على حريته بخدماته.. أتدري أني عثرت على خرزة الذئب هذه بعد عام من البحث بين الحصا المبثوث في الصحراء، ولكي أتأكد من حقيقتها، صبرت حتى كلكل الليل لأطلق سراح الجني المحبوس فيها وأثير عداوة  الذئب السجّان الذي ما يزال يبحث عن رائحتي فوق الرمال.. أنظر إلى لون الدم السائل فيها إلى جوار لون العشب المستظل بلون السماء. (أجزم أني حين أطلت التحديق في الخرزة خيل إليّ أني أرى حمرة الدم وخضرة العشب وزرقة السماء)، قرأ الحارس سيماء الدهشة في وجهي فانتقل إلى خرزة ثانية: أما هذه الخرزة التي بلون الرمال فهي الحافظة لسر الحية. حصلت عليها في موسم تزاوج الحيات، تلقفها كفي بعد أن قذفها الذكر وهو في أوج الالتصاق بجسد الأنثى، وقد راودني على التخلي عن خرزة الحية هذه احد شيوخ البدو مقابل ناقتين وجمل ولكني رفضت التخلي عن الكائن الحي الكامن فيها والذي حرصت على عدم  ملامسته للحليب لكي لا يبطل مفعول الخرزة التي استخدمها لشفاء الملدوغ. (سره اعترافي بأنها المرة الأولى التي أسمع فيها عن الخرز وفاعليتها)، فانشرح صدره : واليك أختها خرزة العقرب. (أشرت إلى الخرزة المجاورة لخرزة الحية كأني أقول: أتقصد هذه التي بحجم الحِمّصة ؟)، أكد البدوي: نعم هذه السوداء التي ترها الآن موشومة بنقاط حمر، كانت في الأصل مادة سائلة فرزتها أنثى العقرب التي ترصدت لها عند التزاوج حتى إذا بلغت ذروة الانتشاء سالت منها مادة بيضاء لم تستغرق غير طرفة عين  حتى تتحول إلى خرزة، إذ سرعان ما تصلّبت وتلوّنت بلون شمسي، إنها يا أستاذ كائن حي كثير الحركة لذا فقد كَبّلْتَها إلى قماش الطاقية بخيوط متينة. (كنت على وشك أن أسأله عن فائدتها)، حين سمعته يقول: إنها تحفظني من لدغات العقارب، لكنها لو وضُعت في خرقة مع حبة قمح والحبة الحلوة والحبة السوداء ربما تفقد مفعولها.. (سبقني البدوي للمرة الثانية حين لمح انجذاب عيني إلى خرزة بلونٍ احمرٍ قانٍ) ، فسارع إلى وأد السؤال بالإجابة: هذه خرزة الدم التي لا يمكن الحصول عليها في الصحراء، لذا فقد اقتنيتها من رجل بصري متخصص بالحصول عليها من السلاحف المرعوبة بعد انحسار المد بشط العرب، وهي خرزة خاصة بوقف رعاف الأنف ونزيف الجروح، والعجيب أن هذه الخرزة التي يُحصل عليها من كائن بحري تفقد فاعليتها إذا وقعت في ماءٍ جارٍ. (كلما اتسعت دهشتي كلما استمر البدوي باستعراض مقتنيات متحف طاقيته)، أسمعت بعرج السواحل؟ (فاجأني بسؤاله فتركت حبل لسانه على غاربه)، أشار إلى حصاة صغيرة ملساء: أترى هذه الخرزة؟ (نسيت أن أخبركم أن ذلك الحارس البدوي يسمي كل حصاة خرزة)، شوف يا أستاذ أظن أنه من غير المعقول أنك لم تر أو تسمع بالقنفذ. (أشعل لفافته الرابعة أو الخامسة على ما أظن)، أتدري أن أنثى القنفذ هي مصدر هذه الخرزة، حيث يتربص الباحثون عن هذا النوع من الخرز باناث القنافذ بعد الولادة، حتى إذا خرجت القنفذة للبحث عن الطعام، سارعوا إلى سد باب حفرتها بالطين، فتسارع إلى جلب هذه الخرزة المعروفة بعرج السواحل وتلقي بها على الطين لتنسفه وتدخل لإرضاع صغارها، لذا يتوجب على ناشد الخرزة التقاطها قبل أن تنفجر. (وانفجرت أنا بالضحك)، فقاطعني البدوي: ستضحك حتى تنز الدموع من عينيك إذا قلت لك أن هناك خرزة مختصة بالرصاص لا يموت حاملها حتى لو رميته (بمشلح) رصاص. (واصلت الضحك غير مصدق)، لكنه لم يأبه وواصل حديثه: أعدك، حين أحصل عليها أن تكون أول من يطلق النار عليّ.. في تلك الليلة وفي الليلة التي تلتها والليلة التي بعد التي تلتها وكل الليالي الملضومة في مسبحة الزمان الذي قضيته مع ذلك الحارس البدوي حرضتني على البحث في الأساطير والطقوس القديمة والجن والقوى الخفية وعلاقتها بالأحجار الكريمة والتمائم والتعاويذ حتى إذا أوشك عام حشو مخيلتي بالحكايات المرعبة على الانتهاء، وَخَلَتْ (كرفانات) الشركة من الخبراء الأجانب الذين سافروا إلى بلدانهم لحضور أعياد الميلاد، ومن العمال الذين اغتنموا الفرصة للنزول إلى السماوة.. في ذلك اليوم كانت الشمس قد لجأت لإخفاء اعتلال وجهها خلف لثام الغروب، وكنت أهىء السيارة التي وضعتها الشركة تحت تصرفي للسفر إلى بغداد في الصباح الباكر حين فاجأني الحارس البدوي وناشدني باسم صداقتنا التي أشرفت على بداية عامها الثاني السماح له بالذهاب إلى أهلة مردفاً طلبه بالتأكيد: سأكون هنا مع نجمة الصباح. خجلت أن أطلعه على مدى الخوف الذي تملكني من فكرة المبيت لوحدي.. وبعد أن حشى رأسي كعادته بنصائحه الثمينة وأكد عليَّ بالأخذ بها للتخلص من الجن الذي قد يستغل وحدتي في تلك الليلة، عانقني ثم يمم شطر الطريق عله يعثر على سيارة توصله إلى أهله في بطن البادية.. وقفت بالعراء أشيعه، كان يمشي متسارع الخطى وعين السماء المضيئة تكشف آثار أقدامه على سجادة الرمل، وهو يصغر، يصغر حتى ذاب في أفق أول الليل.. هرعت لأدخل (الكرفان) وأحكم غلق بابه. عشاءً كنت في فراشي بصحبة الفانوس أراجع حسابات الأسبوع الفائت، حتى إذا دهمت خيول الوسن أجفاني، وانفلت سجل الحسابات من يدي.. أخفضت نور الفانوس وتركت رأسي يسقط على الوسادة.. في الصباح الباكر أيقظني صياح ديك الحارس، لكني لم أنهض، بقيت في مطرحي وأنا أحاول استرجاع حلم الليلة الفائتة.. حلمت تلك الليلة أني سمعت طرقاً على باب (الكرفان)، فلذت في غيابة جب الخوف. توقف الطرق للحظات كأنها دهور، كان قلبي يهرول في صدري حين سمعت صوتاً يشبه صوت الحارس: افتح الباب.. أفتح الباب بسرعة.. افتح الباب. (اعتصمت بالصمت) صرخ الصوت: ما بك أستاذ؟ ألم تسمع!؟ (حبست أنفاسي) بهدوء عاد الصوت هذه المرة: يا رجل هذا أنا صاحبك الحارس.. أفتح الباب. (نشطت نصائحه في الذاكرة المرعوبة، قد يأتي الجن إليك بصورة أناس تعرفهم، وقد يكلموك بأصواتهم، تضاءلتُ، شىء ما تغير بي) صار الصوت يطرق سمعي متوسلاً: انتظرت طويلاً ولم تجىء  أية سيارة فقررت العودة أليك. (وأنا أحاول النهوض لفتح الباب، تذكرت قوله، قد يذكر الجن لك أشياء وأحدث تعرفها فلا تنخدع) صرخ الصوت شاتماً لاعناً بلهجة يستحيل أن يخاطبني بها الحارس: افتح الباب أيها الأثول.. أيها الحضري الجبان، كن رجلاً وافتح الباب. (صمت الصوت وراح صاحبه يحاول كسر الباب.. صار شعر رأسي شوكاً بريّاً وصرت أرتعش كطير مبتل وأنا أرى الباب يهتز) فشلت محاولات كسر الباب فعاد الصوت يتوسل: الذئب يتبع أثري وقد يص..........،  ومثلما بُتر الحلم في الليل، بُتر تذكره في الصباح.. نهضتُ تحت إلحاح ديك الحارس. فتحت الباب، كانت الشمس تتمطى على سرير المشرق نافضة النعاس عن أجفانها.. لا شىء مختلف في ذلك الصباح عن ما سبقه.. ابتسمت لغزالة المشرق وهي تنحدر من الأفق الشرقي لترعى في مرايا الرمال. أخذت نفساً عميقاً من هواء الصباح البارد، وحين استدرت لأعود إلى (الكرفان) تعثرت بخرقة قماش ممزقة.. كانت هناك قوافل نِمال تغدو وتروح عل بضع خرز ملطخة بالدماء    

 

حامد فاضل

 

في نصوص اليوم