نصوص أدبية

عيونـُكِ خُضْرٌ

nooradin samoodتحياتي في البداية إلى الصديقين العزيزين أبي حيدر مؤثث هذه الجريدة الفيحاء التي تقرب البعيد وتوصل الغريب بالغريب وتجعل العالم قرية صغيرة وإلى الصديق الشاعر السماوي الذي كان سببا في هذا التواصل الذي أثمر كثيرا من الشعر الجميل مع أحبابه وأحباب شعره.

ومن الواجب أن أقدم هذه القصيدة للداعي لكم بالسعادة الأبدية، حيثما كانوا بقول الشاعر القديم: إذا كان شعر فالنسيب المقدَّمُ، وقد ظلت هذه القاعدة سائرة قبل امرئ القيس في مطلع معلقته: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل إلخ إلخ ومبانت سعاد فقلبي اليوم متبول ألتي ألقاها أمام الرسول ص ولم يتخلص إلى مدحه حتى شفى غليله من التغزل في سعاد، وظلت مدائح الشعراء في الرسول كالبردة للبوصيري ونهج البردة لشوقي وما نسج على منوالها بعد ذلك إلى الآن تسير على نفس هذا الدرب، وأما الشعر المكرّس للغزل فهو بحر لا ساحل له، وقد كتبت منه الكثير الذي وقع التغني ببعضه وما زال الآخر يبحث عن حناجر تحسن التغني به، لأن الشعر خلق يلتغنى صاحبه قبل أن يتغنى به المغنون والمغنيا، مصداقا لقول أبي عُبادة البحتري:

تـَغَنَّ بالشعر إما كنتَ قائله*إن  الغناء لهذا الشعر مضمارُ 

فليترنم بالعيون الخضر قراء هذه القصيدة بصوت جهوري لأن الشعر لايقأ بالنظر دون صوت يسمعه القارئ قبل السامعألم تر مجودو القرآن الكيم يضعون أيديهم قرب آذانهم ويُرعِشونها عند القراْءة حتى يسمعوا ذبذبات أصواتهم، وإذن فليقرأ محبو الشعر الشعر بصوت مسموع كي يرسخوا في ملكاتهم بحور الشعر ويمكن للموهوبين أن يكتبوا على منهاجها واضعين نصب أعينهم تفعيلات بحر القصيدة التي يقرؤونها، على نمط هذه الققصيدة الغزلية العمودية على البحر الذي سماه الخليل المتقارب وضبطه صفي الدين الحلي بقوله:

على المتقارب قال الخليلْ**فعولن فعولن فعولن فعولْ.

..................

عيونـُكِ خُضْرٌ / نورالدين صَمّود

 

عيونـُكِ خُضْرٌ وقلبُكِ أخضرْ*وخَــدُّكِ بــاقــةُ وَرْدٍ مُـعَـطـَّــرْ

 وصـوتـُكِ رنَّةُ نـايٍ طـروبٍ*وثـَغـْـرُكِ خـمـرٌ حلالٌ وسُـكـَّرْ

 وشـَعْـرُكِ شـَلالُ نـُورٍ وعطرٍ*على صدرِكِ المرمريِّ تـحـدَّرْ

 كـَمَـوج بـِه تـَـسْـتحَـمُّ الـنجوم*كنـُقطةِ حِبْرٍ على الطرسِ تـَقـْطـُرْ

 تـُفـَجِّـرُ نـَبْـعًا بـِلـَوْنِ اللـُّجَيْن*كما لاح، في جَـنـَّةِ الخُلـْدِ، كـوثـَرْ

 وترسُم ثـَغْـرًا وديـعًا ضحوكـًا*كـَحَقـْلٍ مِــنَ الأُقـْـحُـوانِ المُـنـَوَّرْ

 وتـَكـْتـُبُ شعرًا له ألـْـفُ معْـنـًى*بكل الذي جاء في الشعر يَسْخـَرْ

 أراكِ فأُبْـصِـُر زهْــرَ الـربـيـعِ*وإنْ غابَ فصـلُ الربيعِ المنوّرْ

 دَعـيـني أعُــبُّ شَـذاكِ، فإنـِّي*بـه أسْـتـَـعـيـدُ شبـابي المـبكـِّـرْ

 أنا كالفـَراش يُـحـبُّ الـزهـورَ*إذا ذاق مـنها السُّـلافةَ يَـسْـكـَرْ

 تـَـزيـديـن في كل يـوم جمـالا*وحبـُّـكِ في القلبِ ينمو ويكبُـرْ

 أقـولُ: أحبُّــكِ! لـكـنْ أراني*أقــول كلامـا قــديـما مُـكـَرَّرْ

 فأمضي أفـتـِّشُ عـن كلماتٍ*بـِها، لهـوايَ العـمـيـق، أصَـوِّرْ

 وأصْرِفُ في نسجها طول ليلي*أُحاول عـن عُـمْـق حبي أُعبِّرْ

 لِـغـيـركِ ما قالـها السـابقـون*ولا طـَرقـَتْ بالـَهُـمْ منذ أدهُـرْ

 وأبحثُ، في شِـعْرِ أهلِ الغرامِ،*وأشعـارُهُـمْ مثـلُ نـَبْـعٍ تـَفـَجَّرْ،

 عـَسَى أهـتـَدي لكـلام جـديـدٍ*يُـسـاوي"أحِـبُّـكِ ألفـًا" وأكثـَرْ

 أهـيـمُ بـحُـسْـنِـكِ لـيـلا نهارًا*كما هامَ، حُبًّا بـ(عـبلةَ، عـنترْ)

 (فهل غادر الشعـراءُ) كلامًا*لقلبي به عـن هـوايَ اُعَــبِّــرْ؟

 وهل وجدوا في الكلام سبيلا*لقول الذي فوق ما يُتـَصَوَّرْ؟

 وهل هام (قـيسٌ بليلى) هيامي*وهلْ كان فيما يقول يُفـَكـِّـرْ؟

 فأنتِ التي كنتِ، بل لا تـزالُ*عيونـُكِ خُضْرٌ وقلبُكِ أخضرْ

 وأنتِ التي كنتِ نهـرَ عَـبيـر ٍ*وخَـدُّكِ بــاقــة ُوردٍ مُـعَـطـَّـرْ

 

 تونس:  د:  نورالدين صَمّود

 

 

في نصوص اليوم