نصوص أدبية

بصمةُ كلـبٍ

hamid alhurayziكان أصيلاً لأبوين معروفين بالوفاءِ والجرأةِ، يَسْتَذكِرُ حكاياتٍ والديهِ حولَ تاريخ عائلةِ سيده لعدة أجيال سابقة، تخزن ذاكرته بصمات ورائحة كل فرد من افراد العائلة منذ الولادة حتى الوفاة رائحة ومعالم وبصمات اصدقائها، نساءاً، ورجالاً، أطفالاً وشيوخاً حتى حيواناتهم، باختصار شديد أنفه لايخطأ من يسمح له بالمرور ودخول الدار، وياويل لمن يؤشر عليه بعلامة حمراء لعدم وجود بصمة تعريفه في ملف (حمور)........

ذات ليلة ليلاء، غرابية السواد، شم رائحة غير مألوفة تقترب من سياج الدار، اخذت تقترب، وتقترب، كَمَنَّ كعادته مادا قائمتيه الى الامام، ملصقا بوزه بمستوى الارض فاتحاً عينيه، موترا اذنيه موجها اياهما باتجاه الرائحة الغريبة التي استفزته.، تكاد لا تتبين جسده من الارض إلا بصعوبة .. فمن طباعه انه لاينبح بلا سبب كبقية الكلاب، نعم ينبح في وضح النهار مع وجود سيده أو أحد أفراد العائلة عندما يزورهم زائر لاتوجد له بصمة سابقة في حاسوبه، ينبح لتلقي الاشارة من سيده بالسماح ِأو المهاجمة، هل يكشرُ عن أنيابهٍ أو يهز ذليه مرحبا ً متوددا ُللزائر المرحب به من قبل اسياده....

يكمن (حمور) منبطحا، متخذا وضع التهيوء الساكن قاطعا أنفاسه حتى تقع الفريسة في الفخ،وهكذا كان، أقتربت الرائحة كثيرا من الدار، اخذت تتضح هيئة اللص، اعتلى سياج الدار بحذر شديد، قفز بخفة الى حديقة الدار، فوقع في كماشة انياب ومخالب (حمور)، اطبقت انيابه على ساقه، ممزقا ثيابه بمخالبه القوية، ممزقا فروة وجهه مدميا عينيه، سادا عليه كل محاولات الافلات والهرب، بدأ اللص بالصراخ و(حمور) ينهشه من كل مكان، أِستيقظ سادة الدار، أمسكوا باللص المنهك المدمى .. فكان معه ماكان قبل أَن يُسَلَّمَ للشرطةِ وسط اعجاب جمع أهل المحلة ببطولة وقوة (حمور) الفائقة، فمن يمتلك كلبا مثل (حمور) ينام آمنا قرير العين .....

دارت الأشهر ومرت السنين وقد علا شأن (حمور) واعتزاز اسياده به، ولكنه كان يراقب باهتمام واستغراب كبير تبدل العديد من معالم زوار أسياده، تغير أشكال وألوان الازياء والعطور وحتى الشوارب وربطات العنق بعد ان اختفت أَربطة العنق الحمراء حيث طغى اللون الزيتوني على بدلات زائري أسياده لحقبة من الزمن، أما الان فقد ساد زي العمائم والسبح السود والخواتم واللحى، والشوارب المحلوقة ...

صعب على (حمور) ايجاد تفسير لما يجري من تبدل حتى نوعية الطعام، وطرق الغناء أو الرقص .. ولم تعد له وسيلة للتعرف على النساء إلا من خلال الرائحة بعد ان اختفت وجوهن خلف الحجابات و (االبوشيات) ... عموما فهو ليس معنيا بحياة الناس من حوله المهم كسب ود ورضى اسياده وحرصه على حراستهم ليلا ونهارا ....

ذات ضحى تقاطر على الدار أفراداً وجماعات أغلبهم من ذوي اللحى والخواتم، رحب بهم اسياده افضل ترحيب، يستقبلهم سيده الاكبر حال ترجلهم من سياراتهم الحديثة الفخمة كان يرد بالقبول والتودد والتذلل على هوهوات (حمور) المرابط كالأسد منتصب الاذنين في غاية التحفز عند زاوية باب الدار....

توقف رتل من السيارات الفخمة التي امتدت من نوافذها فوهات بنادق كأنها رؤوس أفاعٍ سوداء، ترجل (الهام) محفوفا بجمع من محلوقي الرؤوس متجهمي الوجوه،أياديهم على زناد البنادق،وعلى قبضات المسدسات ...

لم تتمكن النظارة السوداء ولا اللحية الكثة، والعطر الفرنسي النفاذ،من حجب رائحة الرجل عن أنف (حمور) واستذكار بصمته المختزنة في ذاكرة حاسوبه، تلاحقت ومضات شارة الخطر الحمر المنذرة بخطر داهم......

كلا يا (حمور) هذا القادم لا يحتاج الى طلب اذن، انه هو، يا للوقاحة، جاء اليوم بوضح النهار ... أِستنفر قواه الظاهرة والمستترة، فما ان وطأت قدم الزائر عتبة الباب حتى كانت بين فكي (حمور) الذي أسقطه أرضا، ممزقا ملابسه بأنيابه ومخالبه، أخذ الدم يشخب من كل اجزاء جسده الملقى بين أقدام الحضور المندهش المذعور، مما حدث لفخامته....

بصعوبة بالغة تم تخليص ألية سيادته من بين انياب الكلب رغم تحطم رأسه بنيران الطلقات المنطلقة من فوهات بنادق ومسدسات الحمايات متزامنةً مع رصاصات مسدس سيده المرتجف هلعا مما رآى....

امر سيد الدار برفع جثة (حمور) ورميها خارجا وهو يتمتم مخاطبا الجمع المرعوب:-

للأسف لم يستطع السيد الوزير مسح بصمته في مخ (حمور) كما مسحها بمهارة من سجلات رؤوسنا و سجلات مؤسسات الدولة .....

 

في نصوص اليوم