نصوص أدبية

ثأر

anmar rahmatallaفُتِحَ بابُ القصر الخارجي أوتوماتيكياً، ودخلت سيارتان، الأولى كانت سيارة ضخمة، يقودها رجل سمين، والأخرى سيارة متواضعة صغيرة، يقودها رجل نحيل. كان في انتظارهما صاحب القصر واقفاً على باب منزله الداخلي. بعد إن رصف الضيفان السيارتين نبحت كلاب يمسك بها الحرّاس، وحين استشعرت الكلاب الأمان على صاحب القصير من الغريبين، توقفت عن النباح وصارت تعاين المشهد، عانق أصدقاءه الذين ضجوا بالضحك ثم باشرهم صاحب القصر هاتفاً وهو يمشي معهم في ممر الحديقة الطويل:

- يا لكم من أوغاد.! هل من المعقول أن نلتقي بعد سنوات

- إنها المشاغل اللعينة التي باعدت بيننا طيلة الفترة السابقة ( قال الرجل السمين)

-  نعم...أنت مشغول ولا نراك إلا بالتلفاز (قال الرجل النحيل)

طبطبَ على كتفيّ  صديقيه ثم حوطهما بذراعيه وقال:

- نعم بالتأكيد...العمل السياسي لم يدع لي الوقت حتى للتفرغ لعائلتي وشؤوني الخاصة. لقد سرقني من كل ما هو جميل، واليوم نريد أن نعيد بعضاً من الذكريات، لهذا بعثت إليكما لكي نتغدى سوية.

انبرى الرجل السمين قائلاً :

- لهذا تركت المصنع اليوم وأتيت فرحاً بهذه المبادرة ،حتى أنني ألغيت موعداً هاماً مع شركة تجارية كبيرة إلى الغد ،لكي نجلس من جديد.

 وحين سكت السمين تكلم الرجل النحيف فوراً:

- وأنا والله تركت العمل في القناة وهرعت إلى هنا، صدقوني لقد كان من المقرر أن أجري مقابلة مع ضيف هام في برنامجي الأسبوعي، لكنني تركت كل شيء وأتيت.. مشى الجميع إلى صوب الجهة الأخرى من القصر، كانت مطلة على النهر، وكانت الحدائق في كل جهة، أكثر من جنائني يعمل فيهنَّ، والحراسة كانت مشددة، كاميرات مراقبة، كلاب حراسة، حراس شخصيون، كل هؤلاء مكلفون بحماية المكان وتأمينه.. جلس الأصدقاء في مكان أخضر تحت مظلة واسعة، يشرف على النهر مباشرة. هتف صاحب القصر ضاحكاً:

- اليوم جهزت لكما مفاجأة ..اصطاد لي الحارس الشخصي سمكة كبيرة من النهر، وهي الآن في حوض قريب من هنا.

ضحك السمين وقال :

- لِمَ لمْ تصدها بنفسك؟ هل تخاف النهر منذ أن غرقت به ذات يوم ؟

سانده النحيف قائلاً:

- نعم ..نعم...إنه يخاف النهر ولم يتعلم السباحة منذ حادثة الغرق.

تضايق صاحب القصر من كلام صديقيه وصاح بهما:

- إن كنت أنا لا أعرف السباحة بسبب غرقي، فأنتما لم تسبحا قط في النهر ولا مرة، وبهذا فأنتما لم تكسبا شرف المحاولة كما يقول بعض المتحذلقين.

ضحكوا جميعا ثم قال السمين:

- أريد رؤية السمكة مشوية...لا أستطيع الصبر

- كاميرتي جاهزة لكي نلتقط بعض الصور (قال النحيف)

ضحك الرجل صاحب القصر ثم قال:

- لم تقلعا عن تصرفاتكما ...ما زلت يا صاحب الكرش الأهدل شرهاً تحب الطعام، وأنت أيها المهزول ما زلت فضولياً تحب أرشفة كل شيء.

ضحكوا مرة أخرى ثم توجهوا صوب الحوض، لقد كانت السمكة كبيرة، تتحرك بشدة، تضرب الماء بذيلها ثم يتطاير رذاذه صوب وجوه الأصدقاء، فكانوا يتحاشون ضرباتها للماء مبتهجين.

- سمكة محلية من النهر (قال السمين)

- نعم ..إنها محلية طيبة ولحمها شهي ..تستحق الأكل (قال صاحب القصر)

ثم أمر صاحب القصر خدمه ببدء عملية شواء السمكة. ظل النحيف يلتقط صوراً هنا وهناك، ثم أشار عليه صاحب القصر بالتقاط صوراً متفرقة، للسمكة وللنهر ومكان الشوي وللجلسة والحديقة وكل شيء. وافق النحيف وظل يلتقط صوراً للسمكة الكبيرة وهي تلبط، لم تتوقف عن الحركة في كل الاتجاهات. حين كان صاحب القصر والسمين يتحدثان صرخ النحيف :

- انظرا ...إنها لا تكف عن الحركة حتى بعد خروجها من الماء!

تقدم الاثنان إلى مكان الحوض، كان النحيف والخدم والطباخ ينظرون كلهم إلى السمكة وحركتها، كانت تتحرك بعنف، تضرب بذيلها أي شخص يمسك بها وتفتح فمها المدور وتغلقه.

(اضربها على رأسها) أمر صاحب القصر طباخه، الذي امتثل لأمر سيده ضارباً رأس السمكة، ثم هدأت قليلاً وعادت إلى الحركة بشكل أعنف .

- شق بطنها الآن ( قال صاحب القصر)

- نعم ..نعم...ولكن لا ترم بطنها فهي لذيذة أيضاً (قال السمين)

- لا تستعجل بشق البطن حتى أكمل تصويري (قال النحيف)

شق الطباخ بطن السمكة ،واستخرج أحشاءها وبيوضها ووضعها في طاسة. ثم فتح بطنها فكانت كأنها شراع قارب صغير. وبالرغم من شقه لبطنها، ظلت السمكة تماطل وتعاند. غرز السكينة في الجزء العلوي من طرفها وشقه إلى ذيلها، ثم دسَّ الملح في لحمها فهاجت من جديد. في الحال صاح صاحب القصر على طباخه:

- ضعها في آلة الشوي وقربها من النار لكي تستوي

نظر الطباخ إلى صاحب القصر، ولم يفهم كيف سيشوي سمكة بهذا الحال. لكنه حين رأى سيده ينظر إليه نظرات حازمة امتثل، ووضع السمكة في مشبك الشوي، وسجر النار في حوض حجري مخصص لشوي السمك. جلس الضيوف على الطاولة من جديد وهم ينظرون إلى منظر السمكة وهي تشوى. كانت تنبض بعنف ويسيل من جوانبها الدهن. جهز الخدم المائدة ووضعوا عليها أصناف المقبلات، وبعد نصف ساعة هتف صاحب القصر (هل اكتمل شواء السمكة؟). لم يجبه الطباخ، بل طلب من سيده أن يأتي إلى مكان الشوي. جاء السيد ورأى المنظر وصاح (أيها الأحمق ...ألا تجيد شوي السمك؟). حضر صديقا صاحب القصر ،قال السمين:

- إنها مشوية... تبدو لذيذة

لكن صاحب القصر اعترض قائلاً

- إنها مشوية ولكنها لم تمت

سنأكلها وهي على هذا الحال (رد السمين)

- نعم سنأكلها ...في النهاية سترقد في بطوننا (قال النحيف)

احضر الخدم السمكة إلى مائدة الضيوف، كان البخار يتصاعد من أجزائها ورائحتها تملأ المكان. لكنها كانت تتحرك، لم تثبت منذ أن وضعها الخدم على المائدة، مما دفع صاحب القصر إلى أمرهم بتقطيعها. تم تقطيعها على الصحون وجلس الأصدقاء لتناول الغداء. كانت أجزاء السمكة تتحرك على الصحون وتنبض. إنهار صاحب القصر من المنظر، ثم هدأه صديقاه وقال النحيف ضاحكاً :

- سنأكلها ونلتقط صوراً للذكرى لهذا الحدث الهام

قال السمين:

- سنأكلها حتى لو كانت مسمومة ...منظرها لا يُقاوم

تناول الأصدقاء لحم السمكة، كانوا يأكلون بتصميم. اللحم يتحرك في أفواههم لكنهم كانوا يبلعونه بصعوبة كبيرة. حتى انتهوا من طعامهم واتكأوا ليرتاحوا بعد هذا الشوط الطويل المتعب. كان النحيف أول من أحس بالحركة، ثم صاحب القصر ومن بعده السمين. أجزاء السمكة تتحرك في بطونهم، مما دفعهم إلى الوقوف والهرولة في أجزاء الحديقة، لقد كان الألم شديد وباد على وجوههم. وقعوا على الأرض وتدحرجوا على مرأى كل من في القصر. بطونهم تنبض بشدة وتتحرك معدهم مع غثيان مزعج، جعل الأرض تدور بهم ولم تتوقف بطونهم عن الحركة. هرولوا بلا إرادة صوب النهر، كانت بطونهم مشدودة إلى النهر بشكل عجيب، منفوخة كأنها كرة قدم تتدحرج بهم إلى الجرف. قاوموا بشدة ولكنهم لم ينجحوا بالمطاولة. استنجد صاحب القصر بحمايته، امسكوا به لكنهم لم يمنعوا الحركة العنيفة في معدته من سحبه للجرف، هو وصديقاه اللذان سقطا معه في النهر، صرخ الأصدقاء مستنجدين لكن ثقل بطونهم والحركة الشديدة، سحبتهم صوب قاع النهر، لم تعطهم فرصة للنجاة.. كان قاع النهر مليئاً بالطين، وعدد هائل من الأسماك الجائعة.

 

في نصوص اليوم