نصوص أدبية

ظل في العتمة

alhusan bshodمِن النافذة، قُربَ مدفأةٍ تَقضِمُ نارُها الحطبَ في صمت، رائحةُ العَرعار المحروق تُندي الغرفة، جوٌّ دافئ، هادئ، مفعم بالسكون، مشجعٍ على التأمل، أريكتان إلى الجدار، واحدةٌ عن اليمين، وأخرى جهة الشمال، زربية حمراء مرقّطة بالألوان، كأنها أفعى مُحنطة، مقعدٌ محشوٌّ بخلطة من قُماش وصوفٍ وإسفنج، مغلف بجلدٍ بُنّي قاتم يَبعثُ على الفخامة، مستقبِلا النافذة العريضة، تتسربل على زجاجِها خيوط الماء المنهمر كأهداب وشاح العروس، كخيوط شمس الصباح، كزجاج مصهور، كدرات الزمرد تنزلق تباعا نحو الأسفل.

...

تعوي الريحُ مُزمجرة في الفضاء الخالي، تَسيح غاضبة في الأرجاء، تقتحم الأجساد الواهنة، تَلسعُها حتى تتحبّب، حتى تقشعر...

. . .

غرفة الكون، ينير ظلامَها ضوءُ ثريّا القمر الثُّمانية التكوين، تفاصيلُها نجوم السماء.

. . .

مُتسوّلٌ هناك، يطوي قطعة كارطون تحته، حتى لا يسلبها البلل دفئها، يدفن نفسَه في رزمة من الخِرَقِ والأسمال.

...

كعشِّ طائرٍ مهاجر، يحضن أفكاره، أوجاعه، يُحدّث العالَم العلوي، والعالَم السفليّ أيضا يحاورُه.

تتبدى أمامَه صورة شخوصٍ يعرفهم، يغضب تارة، ويضحك أخرى، يُناظرهم، يَفحمهم، يطردُهم ويغلِق دونهم باب القاعة، ويأمر بِمَنع الزيارة.

...

يُسدّد اللّوم إلى رُفقةٍ لا يفارقونه ولا يفارقهم!!

...

تتصارعُ القطط على رؤوس حاويات القمامة، يستأسِد بعضُها على بعض.

تأتي الكلاب، يُدوّي نُباحها، تتساوى القطط في الجبن، وتفرُّ معاً.

...

سيمفونية الماء المنهمر، وهو يقرع الأجسام المقلوبة على الأرض، تأخذ الريح دور الأوبرا، توجّه القطراتِ المنهمرة الطنانة، تارة يمينا، وتارة ذات الشمال. يترنح ظِلُّ النار على الجدار كغولٍ جائع، كأشياء كثيرة معروفة...، كوَهمٍ غيرِ المعروف، كاللاشيء.

. . .

رُهاب الصمت.

تمتزج العتمة مع العتمة، لتشكل ظِلَّ شبحٍ شاحبِ الملامح،

ظلٌّ في العتمة.

...

يتحرَّر الشبح

وحدَه، يَقطع الشارعَ جيئةً وذهابا، يتطلّع إلى النوافذ التي مازالت بيضاء، أو التي يتسلل منها بياض ضئيل.

سكون مُطبق، كل قطرة تحط، تترك صدىً، تتحسس الأذن صدى الأصوات القادمة من هناك،

 من هنا،

 مِن ذلك المنبه الذي يَعُدّ حبات الذرة، التي تقتاتُ منها دجاجة لا تمل ولا تكل، صيصانُها لم تأكل منذ مدة، ومع ذلك مازالت صامدة لم تَنْفُق، ولم يَضْمُر جسمُها، ولم تُغيّر خَطوَها قيد أُنْمُلة، وحدَها العقارب هي من يقطع المحور صعودا ونزولا.

...

دلف شبح الظل عبر أحد الجدران، تقودُه ريح تعوي كذئبة ثكلى.

كل شيء يُنبئ أن البيتَ يسكنُه شخصان.

...

الصورة المثبتة أعلى الجدار، لشخصيْن، أحدهما يحتضن الآخر في دفئ.

تفقَّد الشبحُ المكانَ، لينتهي إلى غرفة النوم.

سرير عريض لشخصين، يأوي جسدا واحدا...!

طأطأ الشبح رأسه.

فتح الباب

تخطــى العتبــة

غادر في استحياء وانكسار.

...

عَبَــرَ الشارع والمطرُ يغسِلُه.

عبر، دون أن يلاحظ أحد أنه كان يـبـكـــي !!!

 

الحسيـــن بشــوظ من مجموعة ظل في العتمة 

 

 

في نصوص اليوم