نصوص أدبية

حب أخرس

dikra laybieبين صباح سناء مدلل، كانت تفوح به بسمتي الوارفة، وصباح شوق أخلد يغلفه دخان اللاشيء، أفتح عيني وأعلم أنه لا يأتي.

أيقنتُ أن الجلنار في حديقتي ذبلت أغصانه، ومآتم الروح أقامت ولائمها..

أين ستمضي بي تلك الذاكرة؟ وما كان بين قلبينا وجسدينا صار لماضٍ وآتٍ مرفوض، وكل الكائنات أمام عقلي مسؤولة عن خطئه.

ذات نهار قال لي:

- أنا في أزمة!

انتفضتُ، تلمستُ ملامح روحه، وحدسي يقول أنه الهروب:

- الأزمة ليست كما تتصورها بأنها انتهاء، بل كما نتصورها نحن، القلوب الكسيرة، فقدان شريكك بالحياة ليس بالأمر الهيّن، صعب أن تلغي من خارطة حياتك أنفاساً طالما عشت بها، أو تعتق قلائد الحب والعشرة، صعب أن تفرد الأحلام والفرح على بساط عمرك، وبين ليلة وضحاها يُسحب من قبل حاقدين بُلهاء.

- هذا لو كان الشريك يستحق عناء روحك وقلبك

- قد لا يستحق!

صمتٌ يسود المكان، خطواته تبتعد، يبدو شبح شيطان أو أدنى، حينها قالت عافيتي، وأنا أدوّن أقوالها بأمانة:

- تقتل الوحدة ويقتل الحزن الأماني، وعندما كان كل شيء يوميء للمجهول، عندما لا تعرف النجوم لمن تضيء، والبحر لماذا هو البحر، في برهة انفجار، تجمدتْ الصورة، كُنتَ أمامي وأنا كنتُ أمام خيارين، أن أقف حيث أنت، أو أجتازك حيث الصقيع، وزهور البلاستيك والماكائن ثقيلة الدم، وأنت...

أنفجر، أصرخ، أتخلّق كالأسطورة، وحيث يكون الجنون أكون أنا (حالة مرعبة).

كنتُ أعتقد أن كُل شيء قبلك ينبىء بك، ضحكات الشجر وزرقة السماء، ونوارس الآفاق البيض.

أظنني كنتُ غرةً وانطباعية، أو هكذا رأيتني!

نضجتُ تالياً، صرتُ تعبيرية، لكن نضجي لم يكتمل بعد.

الشارع مثل ليلة زفاف موات، هل أنا صاحية لأعتبرك مجد أيامي، ولا أرى إلى مثالبك تتقافز، مثل أرانب أفلام الكرتون، على شاشتي التي لا تنطفىء!؟

أغفرُ لصراخي علّو النبرة والبكاء، لأني كنتُ ابنة الطفولة، سليلة الدل، الآن تشردتُ أكثر في ألمي، عرفتُ معنى جوع القلوب، وعُرى الأرواح الهائمة، والبكاء النزيف، وشح المسرات، ونهر الأوجاع الفياض، الآن أنا الكائن الغارق في وجع الحروف، ورذاذ الكلمات، أتشهى مطراً لا يمل، ولا يحتاج إلى صلوات كي ينزل من عليين!

الآن فقط أتشهى أن أكون أنا، حيث تكون (الآن) مساحة تستوعب (إنها)، (إني)!

وأنتَ حذوي، أعي لماذا أنا في خضم انفجار لا يتوقف، انفجار ينثرني شظايا.

هل كنت أمام خيارين حقاً؟ أم كنت أعيش عتمة حبٍ لا يجفل؟ حبٍ أخرس؟!

 

من مجموعة / حب أخرس

ذكرى لعيبي

 

 

في نصوص اليوم