نصوص أدبية

تجديد شعري

تمجيد لتجديد سواق

 عكاظ  الشعري المجيد

nooradin samood

تجديد شعري / نورالدين صمُّود

 

قلتُ للشعر: إنّ ذا اليومَ عيدي

جـِئْـتُ في مثله لهذا الوجــودِ1)

 

وتأمَّـلـْتُ في الحــيـــاة لأني*

عشتُ في الأرض تِسعة ًمن عقـودِ

 

غير خّـمْس من السنينَ، ولكنْ*

سأبقـَى أقـول: هـل مِـن مزيد؟

 

عَـطـَشُ الخـَلق للحياة شــديدٌ*

ولــَوَ انّ الـمـآلَ دارُ الخـُـــلــودِ

 

لستُ أدري متى يكون رحيلي*

وهو مِنـِّي، مذ كنتُ، غــيرُ بعــيدِ

 

وأراهُ مؤجَّلا طول عمْريٍ*

وهو في القـرب مثلُ حبـلِ الوريـدِ

 

ولقد كنتُ، منذ أن كنتُ طفلاً،*

مُـعْـجَـبا هائمًـا بشعر العـميـد2)

 

قال بيتًا قد كانَ أمضى سِلاح ٍ*

(وسِمامَ العِدَى وغيْظ َ الحسودِ)

 

(عشْ عزيزا أو متْ وأنتَ كريمٌ*

بين طعن القنا وخفق البنودِ)4)

 

فاطلـُبِ الموتَ واقِفـًا في شموخٍ*

واترك العيْـش خانـعًا كالعــبــيــدِ

 

واكتبِ الشعر مثل ركض جوادٍ*

ولـْتـُطالبْ في سبْـقِـه بالمـزيـــدِ

 

ليس في الشعر (بينَ بينَ)، ولكنْ*

قصبُ السبْقِ للجواد (العتيدِ)5)

 

(ساق نجعًا) كي ما يفوز بمرعًى*

مثلما كان في الزمان العَــهــيــدِ

 

ضيّع العُمْرَ في الجميلات يَبغي*

نيْــلَ وعْــدٍ من مُخـْلفاتِ العُهودِ

 

والقوافي هُنَّ الحسانُ اللــواتي*

ضاع فيهن كلُّ عُـمْـري المَديــدِ

 

كـُـنَّ مثلَ السرابِ في ضَـرْبِ وعدٍ*

إنَّ وعْــدَ الحِـسان غـيْــرُ أكـيــدِ6)

 

والوعودُ الجزافُ وهْمٌ لِــمَـنْ لـَمْ

يَــكُ فـَحْـلا، ولم يجيءْ بالجـديــدِ

 

لم يُؤَصِّلْ أو يَــبْـنِ قصرَ خيالٍ

في خيـالٍ مـا إنْ لـَهُ مِنْ حدودِ

 

والقوافي مثل الغواني اللواتي

ظـَلـْنَ يَـطـلـَّبْن في الهوَى بالمزيدِ

 

كاذبـات الوعود يـهْــرَبْن مني*

وكثيرًا ما جـِئْـن دون وعـــودِ

 

(يترشـَّفـْنَ من فمي قـُبلات*

هُـــنُّ عندي أحلى من التوحيدِ) 7)

 

وهــو ضـرب من التـُّمـور لذيذ ٌ*

يُنـْعِــشُ القــلبَ كابْــنة  العنـقــودِ

 

بَـيْـدَ أني قــد ذقـْتُ أعْـذبَ تـَمْــرٍ*

فالقــوافي كـتـَمْـر (أرض الجريــدِ)

 

و(أبو القاسمِ) الــذي قــال شـعْـرًا*

(فيه شدوُ الهوى وعطرُ الورودِ) 8)

 

مِــنْ بـلاد الواحاتِ، والنخـْــلُ فيــها*

باسِــقـاتٌ بـِطـَلعـْهـِنَّ النضــيــدِ9)

 

والعـثــاكيــلُ كالثـريــات لاحــتْ*

مشرقاتِ الأنــوار في يــوم عــيــدِ10)

 

جـِئْــتُ أهْـــدي لربة الشعر شعرًا*

رائــعَ الـوقـْـع مثــل لحــن الخــلــودِ

 

و(خـُلاصُ الأحساء) عَــذبٌ شهيٌّ*

كاد يبدو وراء حَبْـلِ الوريدِ11)

 

ذائبٌ في الحلوق كالموز، لكن*

لم يَفـُقْ لذّة ًقوافي القصــيــد12)

 

فـهـْي تـَمْــرٌ وسُــكـَّرٌ وزبيــبٌ*

ما رأينا أمثــالـَهُ في الوجــودِ

 

قد وَهَبْتُ الحياة للشعر كي ما*

ألـْتقي في الجنـان، يوم الخلودْ..

 

بالأولى أنشدوا بسوق عكاظ

كزهــير ٍ وعــنــتر ولــبـيــدِ

 

(وامرئ القيس)، وهو مَنْ ظلَّ يُدْعَى

علـَمَ الشعر ِ في جميعِ  العهودِ

 

واصلوا صوغ أعذب الشعر في ما*

سار فيه أجدادُهم من عهودِ

 

وستبقى الأشعار ُحصنا حصينًا*

يحفـَظُ (الضاد) من عــدوٍّ لـــدودِ

 

كنتُ أجري ولستُ أعيا، ولكنْ*

صِرْتُ أعيـا برغم مَشـْيي الوئيد13)

 

واعتزامي لما يـزل في اعــتــدادٍ

وانطلاقي في الشعر جـِـد شــديــدِ

 

كـُلُّ بَـيـْــتٍ كــتبــتـُـهُ كان نــورًا*

ولـَهـيـبًا كالنــار ذاتِ الــوَقــود

 

ودماءُ الشباب في القلب تجري*

مُسرعاتِ الخـُطى بعزم أكــيــد

 

أنا ترْبُ الشباب ما زال عــمْـري*

لم يُجاوزْ أعمارَ كـُلِّ جــدودي

 

لم أمَــلَّ الحياة مثل (زهيرٍ)*

إذ شكا طول عمْره، أو (لبيد ِ)

 

(وعـكاظ ٌ) فـيهـا الحياةُ لمن قــد*

ظلَّ حيًا في الشعر غير فــقــيــدِ

 

لم أقلـِّدْ  في الغرب  (رَمْبو) الذي قدْ*

أخرج الشعر عـــن مجالِ القصيدِ

 

أنا  أصَّلتُ كلَّ شعر أصيلٍ*

بيد أني ساندت كل  جدبدِ

 

ورأيتُ الحروف في (البيْت) سربا*

من سنونو يُغريهِ سِلـْكُ البريدِ

 

فوقه اسْطـَفَّ مثل (ترقيم لحنٍ)*

رائع ِ الوقع في ألـَذ ِّ نشيد ِ

 

بـِانسجام كأنها جوقُ عزفٍ*

وانتظام ٍكفـَيْـلق من جنودِ

 

في الميادين سائرًا في اعتدادٍ

ثابتَ الخطوِ ذا اعتزام شديد ِ

 

أنا فيه مجنـَّدٌ طول عمْري*

آمِلا فيه نبْل أجرِ شهيــد

 

 

أ . د : نورالدين صمود

...........................

1) كتبت هذه القصيدة في الذكرى الخامسة والثمانين لميلاد نورالدين صمود يوم 06/07/1932 من عمره، وقد وقع التعبير عن ذلك بتسعين غير خمسة أعوام.

2) عميد الشعر أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي الملقب بالمتنبي، والمُكنـَّى بأبي الطيب من باب الشهرة وكنيته الحقيقية أبو المُحَسَّد باسم ابنه )

3) (رب القصيد) من قول المتنبي عن نفسه في تلك القصيدة، والقصيدة في اللغة مفرد وجمعها قصائد وقصيد.

4) هذا البيت وعجز البيت الذي قبله للمتنبي من تلك القصييدة.

5) ينوه الجاخظ بالطبقة العليا من الشعر، ويفضل الرديء منه على متوسط الشعر.

6) يشيع في على الألـسِنة قولهم في الوعود الكاذبة: وعود الغواني، أو موايد عرقوب، وقد ذكرها كعب بن زهير في قصيدته: بانت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ*متيم إثرها لم يُفـْد مكبولُ

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا*وما مواعيده إلا الأباطيلُ

7) بيت من شعر المتنبي، والتوحيد نوع جيد من أنواع التمر .

8) عجز هذا البيت مستخلص من بيت للشابي في قصيدته الشهيرة(صلوات في هيكل الحب) وأصله هكذا:

فيكِ شبَّ الشبابُ، وشـَّحه السحــ*ـــر، وشدْوُ الهوَى، وعطرُ الوُرودِ

بلاد الجريد اسم يطلق على واحات التمر مثل توزر التي ولد أبو القاسم الشابي 1909في قرية الشابية المجاورة لتوزر وقد توفي بتونس العاصمة 1934,بالمستشفى االإيطالي الذي سُمِّي فيما بعد مستشفى الحبيب ثامر والذي يُسمَّى حاليا بعد توسيع المستشفى العسكري

أما نفطة فقد ولد فيها مصطفى حريف (صديق الشابي) 1910 وقد زرته قبيل وفاته بحوالي أسبوعين ومات بمستشفى شارل نيكول (1967) بين يديْ أحد الممرضين استصفاه دون سواه لاشتراكه معي في مسقط الرأس وفي اللقب كما روى لي ذلك الممرض نفسه.

9) (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ.) سورة ق الآية 10

10) العـُثـكول والعِثكال ويجمع على عثاكيل: هو في النخل بمنزلة العنقود في الكرم وهو الذي يعرف في تونس بالعرجون : والعُثقول جمعه عثاقيل: عنقود الموز وهو الطلح المنضود, ويسمي التونسيون العثكول عرجونا وهو في اللغة الجزء الذي يربط العثكول بالنخلة، وهو شبيه بحزام نحزام السراويل، وقد ورد تشبيه الهلال به في سورة يس الآية (39) (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ).

11) خـُلاص التمر في الأحساء: نوع ممتاز من التمور حدثني عنه الشاعر أبو الكنيتين عبد الله بن العويْد من شرق الجزيرة العربية.

12) يفضل الشاعر حلاوة القوافي المتمكنة على جميع الثمار اللذيذة.

13) تضمين لقول الشاعر القديم: (قد كنتُ أمشي ولستُ أعيا* فصرتُ أعيا ولست أمشي)

في نصوص اليوم