نصوص أدبية
ثلاثية إشتعالات الروح
فجأة يهبط الموت فوق المنازل
والظلام يلفها بعباءته السوداء
ثلاثية إشتعالات الروح / جعفر المهاجر
1 - إلى نخلة عراقية
بسم الله الرحمن الرحيم :
(والنخلُ ذات الأكمام.)1
(والنخل باسقات لها طلع نضيد.) 2
يبقى أبدا مرفوع الهام.
يحدق في زرقة السماء.
تتماوج جدائله مزهوة في القضاء.
شاكرا الخالق العظيم.
الذي ذكره في محكم كتابه العزيز.
ثلاث وعشرين مرة.
سلاما أيتها النخلة البهية.
ياملهمة الشعراء.
وآبنة الصحراء الأزلية.
أيتها الصابرة التي لاتنحني أبدا.
لعواصف الزمن العاتية.
على جدائلك الخضراء الطويلة.
والتي نسجها الخالق العظيم.
منها تنبلج صباحات الأمل.
وحول قوامك الشامخ .
تغفو نسائم السحر.
وبوجودك تزدهر الفصول.
سعيفاتك قلادة خضراء
تزين جيدك الطاهر.
ولا تعرف الذبول أبدا.
وتمرك الذهبي سيد الثمر.
يتناوله فقراء الأرض وملوكها.
ياعروس العراق الحبلى بالعطاء.
أيتها السيدة الكريمة في عطائك !
والقانعة بالنزراليسير من الرعاية.
والصابرة على العطش في الرمال الحارقة.
يابهجة العصور !
لهيبتك وجلالك.
تقيم النجوم عرسها الأزلي .
ولطلعتك العاطرة تبتهج الطبيعة.
ولعثوقك الطيبة الحاملة أشرف الثمر وأطيبه .
تمد الشمس خيوطها الذهبية نحوك.
ومن نفحات عطرك الفواح.
تغار كل عطور الدنيا .
ياأميرة الشجر.!
منذ فجر البشرية .
تحتفي بك الأرض .
وتحتمي بظلك الحاني أشجار الليمون والبرتقال.
وعلى هامتك الموشومة بعشق الندى والسنا.
يطلق الحمام هديله الجميل.
والبلابل تشدوا بأبهى الأغاريد.
من لحظات الفجر الأولى
وحتى الغروب.
(والطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) 3
أيتها النخلة الشامخة !
أسمك الجليل محفور في رقَم التأريخ الأولى.
التي تختزنها ذاكرة بابل وسومر.
وآشور وأكد.
من رطبك الشهي .
تناول نبي الله إبراهيم.
والسيدة مريم العذراء.
﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ 4
ياحبيبة الفراتين الخالدين.
يامن امتدت جذورك عميقا في تربة العراق.
ليقترن أسمك به منذ الأزل.
فما أروع عشقك أيتها السيدة الجليلة!
ستبقين درع العراق الذي لايبلى
وشموخك الدائم يرعب الغزاة.
ويصادر أحلامهم الجهنمية.
(سلام على هضبات العراق.
وشطيه والجرف والمنحنى.
على النخل ِ ذي السعفات ِ الطوال
على سيد الشجر المقتنى) 5
(شربنا ماء دجلة خيرماء
وزرنا أطيب الشجر النخيلُ) 6
سلاما أيتها الحانية الجليلة.
أيتها الشامخة الواهبة النبيله.
ياسيدة الثمر العسجدي.
سأبقى ألهج باسمك .
مادام في جسدي عرق ينبض بالحياة.
2 - في عتمة ذلك الليل
فجأة يهبط الموت فوق المنازل.
والظلام يلفها بعباءته السوداء.
تتحرك الضباع عاوية بين طياته.
وتحدق في طرقها الصامتة الحزينة.
المسكونة برائحة الموت.
تفتح الضباع أشداقها فجأة.
يتكاثر فيها الزبد.
وتحمر أحداقها .
في عتمة ذلك الليل.
ظلت أحداقها الحمراء مسمرة.
على الطرقات الحزينة.
لتفترس العابرين.
والعصافير تبحث عن مخبأ
يصد عنها رياح السموم
لم تجد غير تلك الأشجار العارية المحترقة
لكي تختفي بين أغصانها السوداء.
بعد أن مزق الرعب أوصالها.
والموت صار قاب قوسين منها.
وباء تأبط أعتى الشرور.
يحاصر بالموت كل إرث بهي.
وينشره في كل حدب وصوب.
يزمجر بين الضحايا .
يقتل الورد والشجر البابلي.
ويسحق نبض السنابل .
والطفولة في مهدها.
يباغتها بالفناء.
ثكالى نظرن إلى الأفق.
وهن فقدن الفرح.
ندبن .. صرخن .
متى يغادر أيامنا عصف الضنى والهجير؟
وحتام تبقى (معيشتنا ضنكى) ولا من مجير؟
وسيل الرصاص علينا يدور
أما من خلاص.
لهذا الوباء وعصف السعير؟
ولا شيئ غير الصدى يطلق الصوت.
إنهم مارقون عتاة.
إنهم يكرهون الحياة.
شرهم مستطير.
وهل (يجنح للسلم) أشقى الشقاة؟
لكنها كربلاء
من دم السبط تلبس ثوب الفداء.؟
ومن خلفها تدوي الحشود..
تلبي النداء؟
حشود يعانقها الفقراء.
ومن خطوها يسطع الكبرياء.
مواويلهم معطرة .
بالقرنفل والآس والإقحوان.
وسمرتهم جُبلت من دهلة الفراتين.
وبين الضلوع دم مفعم بالعطاء.
بشاراتهم دانيات القطوف.
تطلق منها الحناجر.
قناديل بوح أصيل.
لن ينحني النخل.
لأعتى العواصف.
إنه سرمدي الشموخ.
وهذي السواعد مدت على الأرض.
صحوا من الكبرياء.
يليق بآلاء مهد الضياء.
صرخة أطلقتها الجموع.
ودوت في أديم السماء.
أبدا لن يمر الوباء.
في وطن الأنبياء.
3 - (أوجاع)
قال أحد البسطاء عشية سقوط الصنم:
لاتفرح ياولدي
بسقوط الصنم
فغدا تأتينا أصنام أعتى منه
تزرع في دمنا أسقام.
مرت أعوامْ
وصار الكلام حقيقهْ
كحد الحسامْ
هاهو الملح .
يعشعش في فوهة الجرح .
وفي أعين المتعبين .
وجيش من الحزن يمتد.
عويل يصادر عشق الشجر.
ويضرب تحت الحزام.
كل حزب يعلق لافتة من سراب .
وفي قعر ظلمته .
يكمن أعتى الشرر.
تعاويذ يعرضها الماكرون.
لكي يحمل الناس أسقامها .
والمحل يسري في مياه الفراتين
وفي حدقات العيون.
وفي شرفات الزهرْ .
فمن أين تأتي المسرات ياوطني؟
وحتام تغمرك الداجيات؟
وتغرق في شهوة الموت والعاديات؟
وحتام تبقى أفاعي الحواة
تصادر آمالنا؟
متى يشهد العمر طعم صباح بهي؟
أو زخة من مطر؟
تبدد هذا الظلام الطويل
ولون الشقاء وطعم الكَدَرْ
وجمر العويل وحزن الشجر؟
(لنا وطن رعاه الله
بالأرواح نفديه
جميل في شواطئه
جميل في روابيه
فجنات وأنهارٌ.!
وأطيار تناجيه.!
ونبع سلسل عذب!
غزير الماء صافيه!
نسيم منعش شاف!
لطيف في ضواحيه!
وثلج مثل قلب الطفل!
وتاج في أعاليه.!)7
أين تلك المواويل ياوطني؟
لماذا رحلت من شفاه الصغار.
وصارت هباء؟
ومات الوترْ
وخلف السحاب الكثيف
غاب القمرْ.
جعفر المهاجر.
................
إشارات:
1- سورة الرحمن الآية 11.
2- سورة ق الآية 10.
3- سورة النور الآية 41.
4- سورة مريم الآية 25.
5- الأبيات من قصيدة للراحل الجواهري.وقد أقرها مجلس النواب لتكون النشيد الوطني العراقي.
6- البيت لأبي العلاء المعري.
7- نشيد كنا نردده بحماس كل صباح في المرحلة الإبتدائية.
