نصوص أدبية

اشكاليات

akeel alabodباءت محاولاته بالفشل، حدّث نفسه عن سبب هذا النمط من السلوك، فلم يجد مبررا يذكر. حاول ان يتصل بصديق اكثر إمكانية من صاحبه الذي لم يرد، لم تنجح محاولته الاولى، بينما محاولته الثانية كان نصيبها النجاح. "إذن" هتف مع نفسه " اخيراً انتهت المشكلة".

لذلك وبدون تردد راح يتحدث عن أزمته المفاجئة . "أنا لا اريد الا خمسمائة دولار، لأكمل المبلغ المطلوب لايجار الشقة الذي ارتفع بشكل مفاجئ، ولم أكن احتسب لذلك". 

-"لكني لا يوجد عندي، لو كنت بلغتني قبل يومين، لاسعفتك بالمبلغ المطلوب".  أرجوك اعذرني..اع...،ترك صاحبه يكرر كلمات اعتذاره، وهمّ بانهاء المكالمة.

 لم يهدأ، بقي منشغلا مع نفسه، تمتم:

غدا الساعة الثالثة بعد الظهر هو اخر موعد للدفع، إذن علي ان أعيد الكرة مع صديقي السابق، كتب له رسالة مضطربة على الفايبر، لا توجد اجابة، والأنكى انه فوجئ deleted message. إذن هو لا يريد حتى ان يقرأ.

حاول ان يُهدئ من روعه متمتما:

لا يوجد احد منهم لا يمتلك المبلغ المطلوب، الكل تراه يتحدث عن قيم أهل البيت، الأئمة امام...وامام...، بينما ليس هنالك استعداد من اي صديق للوقوف مع أصحابه عند الأزمة-

الازمة هذه التي يتحدث عنها، موضوعاتها مختلفة؛ فقد تكون هنالك ضائقة مالية، اوصحية، اوقانونية، اوبيئية، اواجتماعية، اوحكومية تمر بالانسان، فتجعله يشعر كما لو انه فريسة تطاردها الحيوانات المتوحشة، والوحوش الضارية، علما ان الافتراس ليس موضوعا خاصا بالحيوانات فقط، انما هو من صنف الشعور الذي ينتابك كثيرا، اواحيانا، ليقذف بك نحو الهاوية، هاجس بالضيق يطرق أبوابك، يجتاح كل كيانك، تشعر انك أصبحت مشروعا للابتزاز، اوللاستهجان، خاصة عندما تكون في بلد لا يحاسب القانون فيه صاحب الملكية،  أوالعقارات على السعر المخصص لإيجار اي شقة، اوعقار، ليقرر السعر بحسبه، كيفما يشاء، بغير حساب، وقد يكون المفترس فقرات تشريعية تمنعك ان تنال حقوقك الانسانية، أسوة بالآخرين، وقد يكون مرض ينتاب الناس، ويصعب علاجه، وقد يكون المفترسون أنفسهم هؤلاء الذين بسببهم ضاعت حقوق الأجيال القادمة، بعد ان تم مصادرة جميع ثروات البلد، والتفريط بها.

ولكن دعني ابذل محاولة يائسة اخرى، لكي أكلم الثالث، تحدث مع نفسه، قاصدا الرقم المطلوب،  لم يسمع الرد، كتب رسالة على الفايبر هل لك مكالمتي؟ هاتفه صاحبه بعد ساعتين، سأله عن حاجته. لكنه فوجئ بان صاحبه محتاج الى المال لعمل business جديد.

فكر مع نفسه مرة اخرى بطريقة مدويَّة:  هذا يعني ان المال تحول الى مشروع دائم، هذا المشروع  يتم احتسابه، والتعامل معه على انه وسيلة ربحية فقط، حيث لا يجوز استخدام، ولو جزء منه لأغراض إنسانية.

اطلق العنان لنفسه للاستخفاف بهم هؤلاء، الذين تراهم ينفخون أنفسهم في المجالس والمناسبات، يمنحون لأنفسهم صورة اخرى، غير صورتهم الحقيقية. 

تفوه بكلمات غير مفهومة، حاور نفسه متسائلا: متى يشبع هؤلاء، ولكن  ... يبقى الجوعان... لو يملك فلوس الدنيا"، "اما مقولة الدين، والاخلاق، فكما يقال "لعق على السنتهم". هؤلاء صرَّحَ مع نفسه، ليسوا باصحاب نخوة، المال كما يبدو صارا مرضا، لإزاحة هذه التي تسمى نخوة. "المهم"  قالها بصوت جهوري، ثم أردف قائلا: لم اطلب تبرعا بِكلٰيٓة، اومبلغا لإجراء عملية جراحية، اوقرضا لبناء دار سكنية...ولكن..لقد أزيحت النخوة، والشهامة من أكثرهم، خاصة عندما كثرت ارصدتهم، ففقراء ايام زمان، كانوا اكثر مساعدة لجيرانهم، وأحبتهم من أغنياء هذا الزمان.

انصرف من داره مسرعا، طرق باب جارته المرأة الكبيرة التي لا صلة لها بالآخرين. وقف عند بابها. قالها وعلى عجالة: معذرة، هل لي ان اقترض مبلغا بسيطا من المال من حضرتك؟ سمع الإجابة سريعا، أنا اختك فقط أأمر، انت الاخ الأكبر لنا.

 قال لها بخجل وتردد: إيجار الشقة ارتفع فجاة، ولم احتسب لذلك" إجابته بطريقة سريعة اطلب ما تريد من الألف الى الخمسة آلاف. قال لها: لا احتاج الا خمسمائة دولار، وساردها اليك نهاية الشهر إنشاءالله وسأكون شاكرا.

إجابته برضا، وسعادة بالغتين، ولكن ربما تحتاج اكثر، اطلب ما تريد، أجابها مرة ثانية:  لا اريد اكثر من ذلك شكرًا زاحمتك، استلم المبلغ بينما علت علامات الامتنان على وجه جارته، التي كانها لم تصدق ان جارها الكبير يطرق بابها.

فهي تنظر اليه باحترام ووقار، خاصة كونها دائما تطلب منه مساعدتها في الترجمة، وبعض المكالمات الخاصة بشركات الcox، اوالانشورنس، وحالات ال emergency، لذلك لم تخرج له المبلغ فقط، بل احست بثقة عالية بنفسها، كانها احرزت شيئا كبيرا.

انصرف صاحبي شاكرا جارته، التي لبت له طلبه، بينما راح مكتظا بافكار جديدة، لقد أقفل ابوابه تماما أمامهم  هؤلاء الذين أعاد تصوير كينوناتهم من جديد.

فاحدهم يمتلك محل كبير لبيع الاغذية، والثاني، يمتلك بيتا وسيارتي اجرة، والثالث عنده من المحلات ما يكفل معيشة اربع عوائل، هذا ناهيك عن هذه الفقرة المتعلقة المتعلقة بما يسمى بحقوق (..).

اذن يجب علي ان اقاطعهم جميعا، هتف مع نفسه متمردا: "الغنى ليس غنى المال، انما غنى النفس، فالفقراء فقراء نفوس، وليس فقراء فلوس، اما هذه الشعارات التي يرددها الكثير منهم عن الأخلاق والدين، فما هي الا نوع من المظاهر؛ هي لباس يرتديه مثل هؤلاء، بغية إظهار الوجه الثاني لصورهم أمام الآخرين. 

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

 

في نصوص اليوم