نصوص أدبية

المغيسل

akeel alabodاخر يوم من ايام إقامته في ساندياكو، المكتب المطل على الساحة المليئة بالاشجار، فضاء لا تُسمعُ فيه الأصوات.

هنالك في مكان شاحب الإضاءة، حيث تنخفض درجات الحرارة بطريقة تم الاتفاق عليها، وضعوه على السرير، وقد تم لفه بغطاء لا يمكن لك رؤية وجهه مرة ثانية.

الغرفة تلك التي كان يستغرقه الصمت فيها، كانها محطة سفر للمبيت، اوغرفة خاصة بسكن من الدرجة الممتازة؛

سرير في منتصف المكان، بأجواء باردة، تنفذ منها رائحة الكافور، بينما المسجى يستقبل المشيعين، وفقا لطيات أغطية خرساء.

هنالك خارج الأسوار، حركة السيارات تختلط مع أصوات الشارع القريب؛ المارة، صائغ الذهب، شركة بيع الهواتف النقالة، الحلاق، الاسواق العربية، اضافة الى محلات اخرى تنتشر هنا، وهناك، حيث مفترق الطريق المؤدية الى اعماق فضاء يفتح ذراعيه، كأنه يعلن عن رحلات قادمة، لمكاتب سفر الخطوط الجوية الخاصة بمسافرين جدد. 

حضر الأصدقاء، احدهم فتح القران، وراح يقرأ بخشوع يختلط فيه الإيمان بدموع الحزن سورة ياسين، واستعد الثاني لقراءة بعض الادعية الخاصة بصلاة الأموات.

غداحيث بعدما تم تجهيز كل شئ، سيتم شحنه في حاوية خشبية تم تهيئتها وفقا لمقاسات طوله، ووزنه، مع بعض الإجراءات الخاصة بالفحص الفايروسي للجثة تحسبا لإجراءات وقائية.

هنالك حيث سيلتقيه الأهل، والاصدقاء، وجميع الاقارب، النعش سيحكي للآخرين قصصا لم يكن الوقت يسمح لتلاوتها آنذاك.

 بعض أهله ورفاقه استعدوا لمصاحبته، ولكن ليس على نمط المصاحبات التقليدية، المصاحبة هذه المرة، ستجري بطريقة، الهدوء فيها يشبه أصداء قبو يغرق في شحوب تام.

المشهد؛ الحدائق، المتنزهات، المحيط الهادي، المسارح، المتاحف، مفردات تتوزع لتنتشر كانها رحيق، أزهاره تتجول، لتحكي قصة استقبال شتاء كان ممطرا.

الحكايات التي جاءت محمولة بصحبته، قبل عشرين سنة مضت، سيتم شحنها اليوم بصحبة كتلة خشبية صامتة من الصاج.

الأصدقاء الذين استقبلوه ذات يوم، البعض منهم يستعد الان لإقامة مراسيم الوداع.

المطار نفسه، تلك المساحة التي دوما كعادتها تكتظ بحركة المسافرين، تودع اليوم بعض أشلائهم. 

الحياة ما زالت تدب بسكونها، بضجيجها، بجميع سيناريوهاتها، تتنفس الحركة، والسكون في ان واحد،

المشاهد ربما تم استبدال بعضها، الذكريات هي الاخرى سيتم نقلها بطريقة ربما متعاقبة، سفرته هذه المرة تختلف عن سفراته السابقة.

لغة الوداع هي نفسها سيناريوهات ترتبط بعض أخبارها، بتفاصيل مدينة آمنة من مدن الجنوب، هناك النخيل سعيفاته ستعانق دموع المودعين عند ضفاف نهر يحتاج الى البكاء.

غدا بعض الوثائق التي بحوزته سيتم الاحتفاء بعودتها تكريما لطقوس، تبحث عن تأشيرة سفر لها علاقة بجواز سفر نفذ مفعوله.

 

عقيل العبود/ساندياكو

 

في نصوص اليوم