نصوص أدبية
الفارون من الحرب
هل جربتم النوم في الموضع، لا اتمنى لكم ان تجربوه، الموضع حفرة في الارض تملؤها صناديق العتاد وسقفه اعمدة من اشجار اليوكالبتوس وضع عليها صفائح الجينكو ومغطات بالتراب.
وبينما انا نائم في الموضع كالقتيل، صحوت على صوت انفجار هائل جعل سقف الموضع يسقط على السرير الذي كنت انام عليه وصناديق العتاد تتساقط الواحدة فوق الاخرى حتى نالت احداها اصبعي فهرست الظفر بالحم وكدت اخسر كفي، سحبت نفسي بصعوبة وخرجت اركض حافيا ومغطى بالتراب والدم، كانت الانفجارات تتوالى والاشلاء تتطاير من حولي، لم افهم ماذا يحدث فقد انتهت الحرب واعلن وقف اطلاق النارمنذ 8/8/1988، ما ان ازلت الغبار عن عيني حتى فهمت مايجري امامي كما ان ضابطا اخر صديقي نجا من الانفجار شرح لي بأن مساعد أمر الكتيبة اقترح الاستعانة بالسجناء لتنفيذ الاوامر التي جاءت للقطاعات العسكرية المتبقية في (الفاو التي حررناها في 17/4/1988) ، بتنظيف حقول الالغام التي زرعناها حتى الحدود الايرانية، بعد ان انسحبت القوات الايرانية داخل اراضيها ولم يعد هناك فائدة من هذه الحقول، والسجناء هم عراقيون فروا من الخدمة العسكرية منذ بدايات الحرب في عام 1980 املا بتسليم انفسهم بعد انتهاء الحرب التي لم يكن لاحد ان يخمن انها ستطول كل هذه المدة حتى مشعليها ونافخي النار فيها انفسهم، ولان أوامر قبلها قد صدرت بالسماح للجنود بالنزول بأجازات الى اهلهم ومغادرة الجبهات، وبنسبة 50% من عدد القطاعات العسكرية في منطقة الفاو، فلم يكن هناك عدد كاف من الجنود لاتمام المهمة لذلك اجتهد هذا الضابط بالاستعانة بالسجناء الفارين من الخدمة العسكرية، فطلب منهم حفر مجموعة من الحفر يزيد عمقها عن سبعة امتار ينزل بعض السجناء الى اسفلها بينما يبقى اخرون فوقها لانزال اكداس العتاد الفاسدة والقنابل غير المنفلقة فيها، غير ان واحدة من هذه القنابل التي اجتمعت في الكدس انفجرت بغتة، فتطايرت اشلاء السجناء الفارين من حرب الثماني سنوات، ولم يتبق منهم احد على قيد الحياة، جمع الجنود الاشلاء المتناثرة في البطانيات، وسلمناها الى سيارات امر القاطع صباحا.
اما الضابط الذي امر باستخدام السجناء العراقيين الفارين من الخدمة العسكرية فقد سجن لشهرين وعوقب بتأخير ترفيعه لرتبة عسكرية اعلى.
لقاء موسى الساعدي