نصوص أدبية
القصيدة المتوحشة (2)
عدتُ للبحر أراقب بلهفة أمواجه وأنتظر لعلّ الغريبَ يطلّ عليّ من إحدى هذي الموجات الهادرة
أبحثُ عنه
كما تبحثُ يدٌ في القشِّ عن إبرَة
يهبطُ النّبضُ في عروقي
أكانَ لا بُدَّ أن يختفي قبل أن أحتفي به في فردوس العاطفة
أكانَ لا بُدّ أن يتلاشى
كالفقاقيع
قبل أن أُتَوِّجَهُ ضابطَ ايقاعِ حَواسي؟
أكانَ لا بُدَّ أن يَغْدُرَ بانتظاري المُدْمِي فيُغادر عائدا إلى البحر قبلَ أن تقرع الثانية عشرة عشقا
.
آهٍ..غريبي
أيّها الغريب القريب
من حلمي
لا شيء يكتمل
لا شيْ
لا
..
ما انفكَّتْ ذاكرةُ الغريبِ العالقة في دهاليز الرّوح تُعذّبني
تجلدُ ساعاتي.. أيامي.. والشّهور
صرتُ قشَّة في مَهَبِّ الأرَق
أينما أذهب
أتلفتُ حولي بحثا للغريب عن أثَرْ
ها الكآبة تُمهلني..لا تُهملني
ها الجسد النَحيل يتصدَّع بصمتٍ أمّا الرُّوح فلا تجد لها منفذًا من ذُلِّ الإنتظار إلا بالكتابة
وهل أحَنُّ على الملسوعةِ بنيران الكتابة سوى قلم نزق يشقُّ حرائقهُ عَبْرَ طُرُقَ وعِرَة
.
أيُّها الغريبُ
القريبُ مِنْ نَبْضي
وجهُكَ المُضيءُ
يَعبُرُ الآنَ ذاكرتي.
يسرقُني من ذاتي
يُحَرِّرُ
من شرانقها
مُفرَداتي
يُلبسُها بَعْضَ الهالاتِ
يُسكِنُها
غيومَ السّماواتِ
.
كم مساء عدتُ إلى ذاتِ الصَّخرة...؟
كم مَوجة حلمتُ أن تأتي بهِ إلى حضني..؟
آهٍ
تُرانا
حينَ في مُنتَصَفِ الحَنينِ إلتقينا
كُنَّا
في اتِّجاهَيْنِ مُتَعَاكِسَيْنِ
نَسير
.
بَلّلتْ موجةٌ باردةٌ وجهي القمحِيّ بما تناثرَ مع الرّيحِ من رذاذ
استفقتُ من غيبوبتي المتكررة كلّ مساءٍ فوق هذي الصَّخرة
أحسستُ أنّ ثمة حبل صُرّة خفيّ يربطني بها
أحسستُ أنّني أصعدُ جبلا شاهقَ الإرتفاعِ وأنني أجرُّ هذي الصَّخرة خلفي
كأنّها قدري
يُؤرجحُني حنيني إلى صوتِ الغريبِ شرقًا..شَوْقًا
جُنوبًا..جُنونًا
أستعيدُ صَخَبَ صوتِهِ وهو يهمسُ في أذني
.
أكتبي ما رأيتِ في رواية. أكتبي ما هو كائن.. وما هو عتيد أن يكون بعد هذا
سأذهب الآن مع الأمواج الهادرة لعمق البحر
لكنني.. أعدك بعودة
لن أتباطأ عن وعدي كما ستحسبين التباطؤ لكنني أتأنى
في وقته أُسْرعْ بهِ
انتظري عودتي انتظارا
اكتئبي
نوحي
ابكِ
اختنقي
لن أعود
فقط
عندما
تتنفسينني
عشقا
ستجدينني
طوعَ
حلمك
.
فقط عندما تتنفسينني عشقا
ستجدينني طوعَ حُلُمك
.
.
وقعتْ مفرداتُ هذا الشرط العشقي داخلَ بئرِ صَدري المُتْعَبْ
اتّسَعَتِ الدّوائرُ
صارَ قدري أن أبتلعها وحدي دونَ أن يُدركَ أحدٌ مِن أفرادِ أسرتي حكايتي مع ذاك الغريب القريب من نبضي
.
فقط عندما تتنفسينني عشقا
ستجدينني طوعَ حُلُمك
.
صرتُ أُرَدِّدُ كلماته كأنّها صلاة أو تعويذة ترافقني أينما أذهبُ
وتمضي بي الأيام
بينَ شقاء الحياة وعملي في المستشفى مع المسنين.. وعودتي كلّ مساء مرهقة ذليلة إلى ذات الصخرة
ذات الحلم
ذات الوعد العشقي
.
فقط عندما تتنفسينني عشقا
ستجدينني طوعَ حُلُمك
.
.
رفعتُ رأسي إلى السّماء من حيثُ يأتي عَوْني
صرختُ بأعلى صَوتي
.
ربّاه أخبرني
كيف أتنفسه عشقا.. كيـــف