نصوص أدبية

لا النَّافيةُ للعربِ

atif aldarabsaقلتُ لها:

قد حانَ الوقتُ أن نُعيدَ النَّظرَ والتفكيرَ في ثقافتنا وهويتنا، وفي موروثنا المقدَّسِ وغيرِ المُقدَّسِ ؛ فلا أستطيعُ أن أتصوَّرَ أنَّ أمةً بهذه الهمجيَّةِ وهذه الغوغائيةِ وهذه الفوضى قادرةٌ على أن تمارسَ الفعلَ الحضاريَّ، ولا أستطيعُ أن أتصوَّرَ أنَّ أمةً سعت إلى تدميرِ قاعدتِها الحضاريَّةِ وإرثِها التاريخيِّ قادرةٌ أن تربي طفلاً واحداً تربيةً حسنةً، أو أن ترعى ذاتَها رعايةً حسنةً تجعلُها تصمدُ في وجهِ أيِّ ريحٍ عاتيةٍ أو غيرِ عاتيةٍ .

إنَّ هذه الأمةَ من المحيطِ إلى الخليجِ أدمنت الحربَ والفتنةَ والخيانةَ وجلدَ الذاتِ، ونذرت نفسَها للشيطانِ، فعاثت في نفسِها فساداً وإفساداً ؛ فقد أفسدت المكانَ وأفسدت الإنسانَ : عقلَه وقلبَه وضميرَه، وأرست قواعدَ جديدةً في فنِ الفتنةِ فهدمت دولاً، وأحرقت عواصمَ كانت قِبلةً للتاريخِ، ومهداً للدياناتِ والأساطيرِ والحضاراتِ .

هذه الأمةُ ما زالت إلى اليومِ تدَّعي أنها حاملةُ فكرٍ وصانعةُ مجدٍ وصاحبةُ سِيَرٍ، غير أنَّها ما زالت كما هي مُحصَّنةً بجاهليَّتها، خاشعةً لأصنامِها، ساجدةً لرجالٍ من طينٍ أسودَ، لا تُحسنُ إدارةَ شؤونِها، ولا هي بقادرةٍ على استشرافِ مستقبلِها، أو توفيرِ الأمنِ والاطمئنانِ لأبنائِها .

ينبغي أن نعترفَ أنَّنا نعيشُ على المستوى الزمني في عصورِ ما قبلِ النَّارِ، نحتكمُ إلى شريعةِ الغابِ، وإنَّنا ما زلنا في المرحلةِ الرَّعويةِ لا فرقَ بيننا وبينَ تلكَ الكائناتِ التي تقتاتُ على العشبِ، وينبغي أن نعترفَ بأنَّ عقولَنا ما زالت سوداءَ بلونٍ واحدٍ كلونِ قلوبِنا .

نحنُ أُمَّةٌ لا نجيدُ إلا زراعةَ الموتِ، ونشرَ بذورِ الفسادِ بكلِّ مكانٍ، لا يُصلِحنا شعرٌ، ولا يَقبلنا ميزانٌ .

كلُّ الكواكبِ تساقطت من سمائِنا وكلُّ النجومِ آفلةٌ، فلا نهارُنا نهارٌ ولا ليلُنا ليلٌ، ذهبت ريحُنا وخمدت نارُنا، فلا سراجٌ يشقُّ لنا عتماً، ولا شمعةٌ تنيرُ لنا طريقاً، كأسُنا فارغٌ كعقولنا، وربيعُنا يابسٌ كقلوبِنا .

تلك هي ثقافتنا وهذا هو وعينا، جهل يتناسلُ منه جهلٌ، ودمٌ يصبُّ في دمٍ، وتاريخٌ أهبلُ يجلسُ على الرَّصيفِ يستجدي قلماً وورقةً لينسخَ نفسَهُ من جديدٍ .

 

د.عاطف الدرابسة

 

 

في نصوص اليوم