نصوص أدبية

أسْمَاكٌ ونَوَارِس

alhusan bshodاندمجَ في الزّحام، حاولَ أن يشعر أنه واحد منهم، على مقربة، يتأمل الوجوه والطلائع، يُنجز مقارنات كثيرة، تتفق حينا وتختلف أحايينَ كثيرة، كان يعلم عِلم اليقين أن باطنه يضطرم بالمتناقضات، ولكنه كذلك يعلم أن مكنوناتِه مستورة، وحُجُـبُـها سميكة قاتمة السواد.

إنه يستطيع أن يحقق الاندماج، وأن يراهُ الناس على ما يرجو ويتمنى.

...

سيارة فارهة مركونة هناك، في هيبة ووقار، تمسحُها الأعين جيئة وذهابا، إعجابا وحسدا.

يرفع رأسه كلما انتبه، ويسير في اتزان مُصطنع سرعان ما يغفل عنه، ليعاود الهرولة من جديد.

كان معظمَ الأوقات يُهرول كأنه قاصدٌ مكانا بعينه!

. . . .

وقف حيث وقف هؤلاء، يستريح حيث استراحوا، سيحاول مشاركتهم في الحوار حيثُ تعلوا أصواتهُم وتخفُت!   لباسُهم ومظهرُهم يوحي بالاضطراب والتقلُّب.

ولكنه معجبٌ بهم ...

...

تَضِجُّ طيور النورس فوق الحوض، تنازعُ الأسماكَ الخبزَ المقذوف إليها.

كأنها ثعابين..، تبدوا الأسماك وهي تتكوم حول قطعة خبزٍ يابس، تقضم منه ما لان، قبل أن تقع عليه النوارسُ لتَرْفَعَه بعيـــدا.

...

فوضى النوارس في الجو !!

فوضى الأسماك في الحــوض !!

يُعَكِّر رتابة تلك اليُخوت المنتظمة في صفوف طولية وعرضية، تتهادى فوق أمواج ناعمة خجولة.

...

كلما تأخر الليل، اجتهدتْ المصابيح والأنوار في رَسم معالِم المكان وتشكيل تفاصيله، واجتهد هو في التمثيل مُحاولا تحقيق انسجام موهوم.

أكملَ دورته..، تابع مسار الأسلاك المَبثُوثة على الحافة..، استدار شمالا..، إلى أن انتهى إلى سياج متين..، تتكدس خلفَه جلاميدُ صماء، اكتستْ خُضَرة الرطوبة، تمنع البحر من اعتلاء المقاهي والمطاعم ..

هناك توقف، نزع حذاءه الذي آلم أصبعَ قدمِه اليسرى، أو اليمنــى !!.

سرَح بعينيه مدى بصره، يتأمل البحر وهو يُرسل الأمواج تَتْرى إلى الشاطئ.

كان كلُّ جزء مِن جِسمِه مشدودا ومنقبضا، كان يُحس بذلك وهو يتنفس بعمقٍ هواءَ البحر العليل.

ألقم قارورة ماءٍ في فمه ليرتوي، ثم نفذ بين الأشباح..، يخترق الصفوف إلى أن اعتلى الهضبة..

استدار ليودِّعَهم !

...

لم يرَ سوى رهبةَ الليل

أسرابَ النوارس

أسماكا كالأفاعي، تأكل الخبز اليابس بِنَهَم

...

لم يرَ سوى بحرٍ عظيم يُطوِّقُ المدينة.

 

الحسين بشــوظ

....................

من مجموعة "ظل في العتمة".

 

 

في نصوص اليوم