نصوص أدبية

المقايضة

hamid alhurayziفي كل إرجاء المعمورة شاعت أخبار مملكة (ملك الزمان)، حيث تمر عقود وتتلوها عقود من السنين، تذهب أجيال، ترثها أجيال، والحكم ثابت والآباء يورثون الحكم للأولاد والأحفاد، شعب يطيع ملوكه حد العبادة، فله الأرض والثروة، وله على الأرواح والأملاك السيادة ...

أثار هذا الأمر العجيب والحال الغريب احد صحفي العالم الديمقراطي المتطفلين ومن محبي المغامرة وطلب الدخول الي المملكة منفذا وملتزما بالشروط المطلوبة منه وهي:-

أن يكون ملزما بارتداء جلبابٍ خاصٍ يغطي جسده بكامله ابتداء من رقبته حتى أخمص قدميه، وان لا يخلعه أبدا طوال وجوده في المملكة وإلا سيكون رأسه ثمنا لخرق التعليمات .

ان يراقب، يرى ويسمع ولكن لا يعترض ولا يختلط بمواطني المملكة، اثناء تجواله ووجوده بينهم في الأماكن العامة او الخاصة ...

في المنطقة الحدودية استقبلته شلة من الأشخاص ضخام القامة متجهمي الوجوه، أيديهم على الزناد، ابرز لهم وثيقة السماح بالمرور بعد ان لبس الجلباب قبل رؤيتهم، اصطحبوه في عربة خاصة، مضللة الزجاج، اغرب ما شاهده ان لهؤلاء ذيولا طويلة يجرونها ورائهم، واضح ان رئيسهم أطولهم ذيلا، ففسر ذلك بكونه زي خاص يتوجب على قوات الحرس ارتدائه، فبدلا من وضع ريشة طاووس ملونة مثبتة في خوذ حراس بعض الدول والممالك، تقرر وضع ذيول في مؤخرات هؤلاء الحراس وفق نظام هذه المملكة،سارت السيارة لما يزيد على أربع ساعات، توقفت، فتح له الباب ليلج دار تبدو غير مسكونة، الا من بعض أشخاص كان يبدو أنهم من الخدم الخاصين بضيوف الدار، دار بينهم حديث لم يتمكن من حل ألغازه ولكنه يبدو توصيات خاصة به ...

تم حمل أمتعته وحقائبه وإيصالها الي غرفة معدة بشكل جيد لنوم وراحة شخص واحد، مزينة جدرانها بصورٍ للملك ِ وإخوانهِ وأبنائهِ وأحفادهِ وقسم من حاشيتهِ، في هذه الدار أيضا لاحظ ان للخدم ذيولٍ مختلفة ٍمن حيث الطولِ واللونِ، فلم تكن ردة فعله تختلف عما شاهده لدى الحراس فلازال ضمن حرس وحاشية الملك بمعنى إنها ضمن الأزياء الرسمية لموظفي الدولة ولا غرابة في ذلك .

كان يلاحظ ان الخدم بين حين وآخر يرددون عبارة كأنها هتاف، تبين له من خلال سؤال مرافقه، أنهم كغيرهم من موظفي الدولة يلهجون دوما بالهاتف بحياة الملك والعائلة المالكة قبل وبعد أداء إي عمل من إعمالهم اليومية،الغريب ان هؤلاء الأشخاص كانوا يرددون هذه الهتافات حتى مع عدم وجود الرقيب، يرددونها بنفس النغمة ونفس وقفة الخضوع والترجي والرجاء يرددها معهم دليله ومرافقه أيضا، ومن كثرة تكرارها كاد الصحفي ان يحفظها على ظهر قلب حتى انه اخذ يتوقع أوقات ترديدها بشكل تلقائي كما آلة تسجيل وفق تسجيل و توقيت مسبق .

لم يلاحظ وجود أكثر من قناة واحدة في التلفاز تعرض خطب ومؤتمرات ومحاضرات ونصائح الملك الى رعيته، جولاته، طريقة كلامه ولبسه ونوع وطريقة تناوله لطعامه، والكثير من مفردات حياته أليوميه، الجميع يجلسون يستمعون ويشاهدون بدهشة كبيرة كل ما يعرض في التلفاز ...

أمضى ليلته الأولى في هذا المنزل، ليستيقظ مبكرا طالبا من دليله ان يقوم بجولة في شوارع وأسواق وساحات المدينة كان له ذلك، وكانت أول ملاحظة لفتت نظره ان كل الناس البالغين رجالا ونساء تبرز من مؤخراتهم ذيولا مختلفة الألوان ومختلفة الأطوال، وكان صاحب الذيل الأطول يمشي وهو يختال فخرا، كما تتباهى وتفتخر الفتاة الحسناء بطول ضفائرها، فسأل مرافقه حول هذه الظاهرة التي تبدو غريبة فلم يرى ولم يسمع حول جنس بشري بذيل :-

 فأجابه مرافقه إننا نفتخر بهذه الذيول، فالذيل هو علامة الإخلاص والطاعة لملكنا العظيم، وإخلاص المواطن لملكه تتناسب طرديا مع طول الذيل، لذلك قرب وبعد الفرد عن الملك تقاس بطول ذيله، ستشاهد ان وزراء وحاشية وقادة الجيوش تم اختيارهم لأنهم الأطول ذيلا بين رعايا المملكة فرئيس الوزراء مثلا هو الأطول ذيلا بين جميع الوزراء وفترة بقائه في منصبه مرتبط باحتفاظه بهذه الميزة فان ظهر من هو أطول ذيلا منه فسيحل محله فورا وهو ينزل الي مستوى أدنى ...طبعا لكل طبقة او شريحة اجتماعية لون ذيل محدد يميزها عن سواها، يمنع اختلاطها، ويمنع تزاوجها مع الفئات والطبقات من الألوان الأخرى، تحصل عادة حالة تنقل بين هذه الفئات وفقا لمتغيرات الذيل، فقد يرفع احدهم الي طبقة أرقى إذا بلغ ذيله معدل طول أذيالهم، وبذلك تجري له مراسيم خاصة لتبديل لون ذيله، وكذا هو الحال بالنسبة لمن يصاب ذيله بالقصر حيث ينزل الي مرتبة أدنى وبنفس المراسيم ...حتى الزوجين يتم انفصالهم الفوري في حالة اختلاف طول ذيليهما، ليقترن كل منهما بشريك آخر له نفس طول الذيل ...

وهل يولد الإنسان عندكم بذيل؟

طبعا لا، فنحن لازلنا كبقية البشر من حيث المواليد، تجري الآن بحوث علمية متطورة ومتخصصة لتكون الذيول اعضاءا تولد مع المولود منذ يومه الأول إي ان تكون الذيول علامة الطاعة للملك خاصية جينية وليست مكتسبة كما نحن الآن وقد تعاقدت مملكتنا مع علماء أجانب من مختلف دول العالم من اجل الأشراف على هذه الأبحاث والتجارب في معهد الأبحاث الخاص وقد وضعت لهم ميزانية مفتوحة غير مقيدة من اجل تتويج بحوثهم بالنجاح ... الأسرة لدينا ترقب بفارغ الصبر ظهور برعم الذيل للمولود منذ سنواته الأولى إي بعد نمو أسنانه الدائمية وبداية فطامه عن صدر امه،حيث تجري مراسيم احتفالية خاصة وتكريم من قبل الأسرة ذات الاطفال الذين تنمو وتظهر ذيولهم بوقت مبكرا أي تظهر ذيولهم قبل ظهور أسنانهم اللبنية، وهناك احتفال خاص ومميز لمن يولد بذيل، تصدر المراسيم الملكية باعتبارهم من أفراد الصف الأول ضمن حراسات وحاشية الملك ويخصص لهم رواتب وعناية خاصة ويخصص لهم زيا خاصا بهم يميزهم عن سواهم، لا يحق لغيرهم حضور ديوان الملك او الاقتراب من موكبه، وإما من لم يظهر له ذيل حتى عند بلوغه سن الرشد، فأما ان يقتل من قبل عائلته لأنه عار عليها ومؤشر خطير على عدم ولائها وإخلاصها وعدم تكريسها وقتا لتربيته وترويض طباعه حتى لا يكون شاذا، وإما ان يسلم للسلطات المختصة ويكون تحت رعاية (التيوس) وهم أصحاب اللحى والذيول الطويلة ذات اللون الأزرق الغامق، ليقوموا بإعادة تربيته وغسل دماغه وتطبيعه لعدة أشهر فان لم يظهر ذيله، يرسل الي مكان خاص لا يعلمه احد،ويتم عزله تماما عن الرعية ... وما يجب الإشارة إليه:-

 لا يسمح لكائن من كان ان يطلق لحيته ليكون من التيوس، فهؤلاء طبقة خاصة يتم اختيارهم من قبل مقربي الملك استنادا لطول ولون ذيولهم وتاريخ أسرهم لعدد من الأجيال السابقة تثبت عدم وجود ولو فرد واحد من أجيالهم من (الشواذ)، وان سلالتهم نقية الذيول واضحة الميول والإخلاص للملك المعظم ... هؤلاء هم الوحيدون اللذين يسمح لهم لقاء الملك المعظم وأسرته في قصره المعظم، مرة واحدة في السنة هي تاريخ ميلاد الملك، حيث يلقي بهم كلمة هي حزمة من الوصايا والإرشادات، يلقيها من خلال كرسيه الذهب المطعم بالجواهر والدرر والأحجار الكريمة، تحف به أسرته التي لا يعلم احد عددها ولا أعمار أفرادها، تتكاثر وتتزاوج فيما بينها لا تأخذ ولا تعطي مع بقية أفراد الرعية، حتى ان الملك يظهر لهم كل عام ولألف عام بنفس الهيئة والشكل والعمر، يذكر بان الملك لا يموت، لذلك يحتفل بيوم محدد من كل عام هو الأول من نيسان كعيد ميلاد للملك تحتفل به عموم المملكة من أقصاها الي أقصاها فتعطل الدوائر الرسمية والمعامل وتعطل كافة الأعمال في المملكة ليوم واحد ...

الشواذ أقلية قليلة جدا نسبة الي مجموع رعايا المملكة، فالطفل منذ ولادته، يخضع لتعاليم مشددة، يتعلم عدم الجدل، عدم رفض إي أمر يوجه إليه، لا يعترض على أكل او شراب او ملبس يرتدي، يحفظ عن ظهر قلب خطب ومقولات الملك المعظم، يهتف تلقائيا بحياة الملك ودوام ملكه، لا يسير الا مع الجماعة،لا يقرأ الا ما يقرره معلميه ومربيه، وهي لا تزيد عن تاريخ الأسرة المالكة ومعجزاتها ووجوب تقديسها وتمجيدها، وبمرور السنوات الأولى يلاحظ الصبي نمو وتبرعم ذيله فيعم العائلة الفرح والسرور، يقيم الأهل احتفالا خاصا بهذه المناسبة شبيه باحتفالات الختان للصبيان في بعض المجتمعات، توزع الحلوى وتذبح الذبائح وتقام دبكات جماعية تمجد الملك والأسرة المالكة، وعندها يتم تنسيبه الي إحدى القطعان تحت رعاية احد رعاة الملك من ذوي الذيول الطويلة وهناك تجري عملية مراقبة نمو ذيل كل فرد فجر كل يوم وقياس الطول بالمليمتر والسنتمتر وتثبيتها في سجل خاص وعبر بطاقة خاصة تعلق في رقبة الفرد ذكرا كان او أنثى، ووفق ذلك يتم فرز الأفراد ومنحهم علامات ومراتب تعبر عن مدى ولائهم للملك المعظم،تشكل من هؤلاء فرق مهمتها الأخبار عن كل من لا ذيل له،فلهذه الفرق حق قتل مثل هذا الشخص إذا حاول الإفلات من قبضتهم، فلا حياة لمن لا ذيل له في المملكة مصيره إما الموت او العزل التام عن المجتمع ...

ولفت نظره وجود صالونات فخمة في اغلب الساحات والشوارع متخصصة في تزيين وتلوين والعناية بالذيول، تشبه صالونات الحلاقة والتجميل في بقية أرجاء العالم

كما لاحظ وجود أطباء مختصين بصحة وسلامة ونمو الذيول لمختلف الأعمار وللنساء والرجال ..

لوحات إعلانات ضوئية كبيرة الحجم في اغلب الساحات كداعية لأنواع من المراهم والحبوب والإعشاب التي تساعد على نمو وصحة الذيل، كما يوزع قسما منها مجانا في الأماكن العامة، ويجبر طلبة الابتدائية على تناولها إجباريا مع وجبات الطعام

 على حين غرة يتوقف كل شيء عن الحركة وأخذت الأفواه تردد الهتاف نفسه في كل مكان، وقد لاحظ الصحفي ان مثل هذا الطقس يتردد ثلاث مرات يوميا، عند الفجر والظهيرة وفي المساء، الدليل موضحا ان هذا الطقس يمارس في البر والبحر، في المعامل، في المدارس، في المزارع، في المحلات الخاصة ..الخ فتضج المملكة بهذا الهتاف الموحد .

لاحظ زمر او ما سميت قطعان (الكلاب النابحة) مهمتها ترديد التهم والشتائم للأعداء كما يشخصهم الملك، وهناك قطعان (القردة) مهمتها ان تلهج باسم الملك تتدرب وتدرب الناس على أساليب الخضوع واستجداء عطف الملك وإسعاده وإضحاكه، وهناك قطيع (الثعالب)، و (الخيول)، وال(ذئاب)، الخ

 إما قطيع (الأسود) يتوزعون كقادة لكل هذه القطعان، ولاحظ وزارة التدجين والتدريب ومهمتها كما قال الدليل القيام بتأهيل وإكساب مهارة القيام بالواجب للفرد وحسب حاجة الملك لينظم الي احد القطعان وهنا تعطى حرية نسبية للفرد لاختيار القطيع الذي يناسبه طبعا يجب ان يحظى هذا الخيار بموافقة قطيع (التيوس)، وهناك قطيع (الغزلان) وهن من أجمل نساء المملكة مهمتهن إسعاد الملك وأسرته وتلبية رغباتهم وطلباتهم في إي وقت وفي إي مكان لهم وحدهم لا شريك لهم، وهناك قطعان العاملين في الزراعة والصناعة والصيد والتعليم وغيرها من الخدمات العامة لإدامة الحياة، هؤلاء لاحق لهم بالمطالبة بحقوق خاصة لهم الا ما يديم حياتهم اليومية فلا وقت للعمل ولا تحديد للراتب ...

لم يجد للناس بيوتا بالمعنى المتعارف عليه في بلدان العالم وإنما هناك مساكن جماعية لكل قطيع حسب صفته ومهمته، فكل شيء من اجل الملك، النساء والأولاد والغاية من الإنجاب، والتعلم، وحتى الأثاث ووسائل العمل .

 شعارهم إنا روحا وجسدا أحيا وأعيش من اجل الملك وهذا هو الكسب العظيم ...

صور الملك لا تخلو منها دار ولا مؤسسة ولا شارع ولا ساحة، وكل فرد صغير او كبير يحمل على صدره باجا خاصا لصورة الملك المعظم ...صورة الملك حاضرة أمامه ومعه دوما رغم انه لا يحلم برؤيته او مجالسته يوما، الا من كان ذو حظ عظيم ...

 وجبات الأكل مواعيدها موحدة في كل المملكة لكل (قطيع) وجبته الغذائية، وحسب ما متيسر ولا يحق لأحد الاعتراض وليس له الخيار والمفاضلة بين أنواع الأطعمة .

كان الصحفي مثار تساؤل ومحل ريبة من قبل (القطعان)، فهو لا يشبه ولا يسير مع احدها، كانت كاميرته توثق، ودماغه يضج بالكثير من الأسئلة، اخذ الخوف يدب الي نفسه فربما سينظم الي احد هذه القطعان لو طال مكوثه هنا، فاخبر دليله بأنه ينوي الرحيل، ولكن ليس قبل تحقيق رغبته بزيارة قلعة المنبوذين، التي شاهد بالصدفة قطعة تشير نحوها ...

سارت بهم السيارة مسافة طويلة حتى بانت من بعيد قلعة وسط ارض موحشة، محاطة بحرس من قطيع (الذئاب) وفصيلا من قطيع الكلاب، دخل القلعة وأتيحت له فرصة لقاء من كان في داخلها، وكانت الملاحظة الأولى أنهم بلا ذيول، ومن رافضي الالتحاق بأي قطيع من القطعان، وجد العديد منهم من ذوي الفكر الفلسفي، والأدباء والشعراء، وعقول تعشق الابتكار والتجديد وترفض التقليد، ممن لم يتمكنوا من الانسجام مع تقاليد مجتمعهم، كما لاحظ وجود قطعة صغيرة معلقة على صدر كل واحد منهم كتب عليها رقم بالدولار ...

اخبره الدليل ان بإمكانه اختيار إي عدد من هؤلاء المنبوذين مقايضة بكمية من البضائع تعادل السعر المثبت على صدره، فلا حاجة للمملكة بأمثالهم، اتصل الصحفي ببعض الشركات في بلاده عارضا على مالكيها الاختصاصات المعروضة للبيع في مملكة الذيول مع قائمة بالأسعار لبيان الحاجة، وقد أتاه الرد سريعا، بالموافقة على جلبهم جميعا وبدون استثناء وسيحصل مقابل ذلك على مكافئة سخية وقد كانت المنافسة شديدة بين الشركات للفوز بالصفقة، وعدوا الصحفي بمكافئة مغرية لو تمكن ان يعقد مع سلطات مملكة الذيول اتفاقية طويلة الأمد لتصدير (المنبوذين) إليهم مقابل ما يحتاجون إليه من حاجة .

استبشر الديوان الملكي ورحب كثيرا بالاتفاقية عارضا على الصحفي واحدة من قطيع (الغزلان) كهدية له من الملك مقابل خدمته للملكة، مما اضطره الي رفضها لأنها تتعارض مع حقوق الإنسان في بلده، وسط استغراب مرافقيه .

طلبت من مرافقي ان يقدم لي طلب للموافقة على حصولي بإذن دخول ديوان الملك ان كان ذلك ممكنا ... وعلى الرغم من استغرابه الشديد لهذا الطلب الذي يعتبر من المستحيل الموافقة عليه، ولكنه مأمور بتلبية كل طلباتي بأمر من الجهات العليا، فأرسل الطلب الي مراجعه، وقد جاءت الموافقة بعد وقت قصير وكمكافئة لي لأني تمكنت من استغفال ( الشواذ) في دولتي بعقد اتفاقية مقايضة شواذ مملكة الذيول بسلع من بلدان دول (الشواذ) كما كانوا يسمون من لا ذيول لهم في العالم الآخر ...

رافقني عدد من الحراس الي باب القصر المهيب،باب بالغ الضخامة محروس بعدد من رؤوس الأسود الذهبية، ومرصع بمختلف أنواع وألوان الجواهر، محكمة أقفاله الكترونيا ويتم التحكم بها عن بعد من داخل القصر ...

سلمني هؤلاء الحراس الي عدد من التيوس الأشداء اللذين تخط الأرض ذيولهم ولحاهم الزرقاء،ما ان دخلت حتى رأيت العجب العجاب، أبواب تليها أبواب وفي كل باب صف من الحراس المدججين بالسلاح، بعد الباب السابع، دخلت جنة الله في الأرض حيث الأشجار دانية القطوف، وأشكال وأنواع من الطيور لم تر مثلها عيوني في كل مكان، بحيرات متراصة ونافورات ملونة تعمل على مدار الساعة، تربض بين خمائلها الغزلان والطواويس، والحمام والبلابل ووو...

بعد ان اجتزنا عدة كيلو مترات من الرياض والجنان باذخة الجمال وفائقة الخيال، تم استقبالي ولوجدي هذه المرة من قبل كردوس من أجمل الفتيات كوصف الحواري في جنان الخلد، تمت قيادتي من قبلهن الي باب ضخمة من الزجاج السميك قيل انه ضد الكسر حتى من قبل قذائف مدافع الدبابات، فتح هذا الباب كلمحة البصر، سحبت من دون ان اعلم الي الداخل ولوحدي طبعا ... فشهدت ما لا تراه عين، قصر من الزجاج الشفاف والمعتم وبمختلف الألوان، ترقد عند بواباتها المضللة بالورود فتيات باذخات الجمال ولكنهن أيضا بذيول من صنف (الغزلان) ذيولهن تخط خلفهن، فتح لي الباب الأول فاستقبلت بالموسيقى وبأصوات مهللة مرحبة بضيف الملك المعظم، ومرددة هتافات المجد والحياة لعظمته،كنت أسير على أرضية مكسوة بالذهب والفضة لا تشعر وأنت تسير في دهاليزها لا بالحر لا بالبرد، كانت تسير أمامي سهام من ضوء تدلني على متابعة طريقي صوب الملك المعظم،ولا اعرف كيف أحسست ان اذرع عملاقة رفعتني عاليا،حملتني وبعد وقت قصير وضعتني أمام كرسي بالغ الضخامة قوائمه من الذهب المطعم باللؤلوء والزمرد والجواهر البراقة التي لم ار مثيلا لها في حياتي، يجلس خلفه رجل مهيب الطلعة تشع الصحة والعافية من خدوده، بريق عينيته يكاد يغشى عيوني، يرتدي لباسا من الحرير الأبيض، وعلى رأسه تاج لا يمكنني وصفه لأنه يتموج بألوان وإشعاعات مختلفة، يقف في كل جانب سبعة فتيان،لهم صفات الملائكة يبد لي أنهم لم يروا نور الشمس طيلة حياتهم، ومن أهم ما لفت نظري، ان الملك ومرافقيه ومن يحف بيه من الأمراء والأميرات جميعهم بلا ذيول ....

ابتسم ألملك وكأنه فهم ما اضمر من أسئلة، وما أصابني من الاستغراب، قائلا :-

- يكفيك ما شاهدت وما سمعت، ولا تسأل عن المزيد، فلا غرابة ان نكون بلا ذيول، فالحاكم ليس له ذيل، الذيول للرعية فقط، ومن يظهر له ذيل من الطبقة الحاكمة يقتل فورا وبلا سؤال ... والآن عد من حيث أتيت، شاكرين لك ما قمت به من جهد وتخليصنا من شواذ مملكتنا .

- ما ان لفظ لفظه هذا حتى تلاقفتني الأكف واذرع العملاقة ولم اشعر الا وآنا مرميا أمام الباب الأول وبانتظاري الحرس المذيل الذي جلبني أول مرة ومعه مرافقي ومترجمي الذي واصل حديثه السابق حول ظاهرة الذيول قائلا :-

ظهرت على شاشات التلفاز بشارة لرعايا المملكة بعقد اتفاقية طويلة المدى لمقايضة شواذ مملكة (الذيول) مع ممالك (الشواذ) في العالم ببضائع تسد حاجة الملك المعظم .

فلتحتفل كل القطعان بهذا المنجز العظيم وخلاصهم من الشواذ أول بأول من الآن فصاعدا .. .

رواية قصيرة جدا

 

حميد الحريزي

 

 

في نصوص اليوم