نصوص أدبية

وجدت الطاولة فارغة فجلست إلى جانبهما، كانا شخصين وثالثهما براد شاي تحوم حوله بضع نحلات، كانا يتكلمان بصوت مسموع وكأنهما يتعمدان ذلك ليعلم رواد المقهى الموضوع الذي يخوضان فيه:

- هل شاهدت ما بثته إحدى القنوات الفضائية لدى جيراننا؟

- لا..

- الأوضاع عندهم كارثية، يقولون إنهم يعيشون في الجحيم..

- لقد اعتادوا على تلك الظروف المعيشية..

- الصور التي عرضتها القناة صورا مأساوية، لا ماء شروب متوفر، ولا مواد غذائية، ولا أدوية، ولا سكنا لائقا، ولا تعليما، ولا نقلا مضبوطا، ولا .. ولا .. ولا .. ولا.

- إنهم شعب كسول، متواكل، يرفض أن يأكل ويلبس بعرق جبينه..

- الحمد لله أننا في مملكتنا السعيدة ننعم ونستمتع بشتى الخيرات.. المجد لسواعدنا التي لا تكل ولاتمل، المتعطشة للعطاء وللعمل..

- كل شيء متوفر في بلدنا الحبيب الحمد لله على جلائل أنعمه..

- كثر غير فلوسك كل شيء موجود..

- اللهم أدمها علينا نعمة..

- ها البطيخ.. ها البطاطا.. هااللوبية.. ها البنان.. ها الخوخ.. ها التفاح.. ها اللحم..وفي أي وقت..

- ها الحوت..

- الحوت! الحوت!؟

- ما علينا لندع الحوت جانبا..

- ياترى فكرت في شراء خروف العيد؟

- أجل؛ لذلك قمت بجولة في سوق المدينة..

- ماذا وجدت؟

- وجدت خيرا كثيرا..

- كيف هي أسعارالأضاحي؟

- حارة محرقة.

- أصحيح ما تقول يا رجل؟

- بل تستطيع أن تقبض بيدك على الجمر على أن تقبض بها على قرني خروف..

- يا للعجب؛ ظننت أن مع الوفرة يأتي الرخاء فإذا مع اليسر يأتي العسر.

- لهفي على زمن ضاع..

- الزمن الذي كان فيه مذيع النشرة يزف إلينا النبأ العظيم، حيث يشنف أسماعنا بتلاوة بلاغ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.. نظرا لظروف الأزمة الاقتصادية الخانقة.. ونظرا لآفة الجفاف التي تعاني منها البلاد.. فإن صاحب الجلالة يهيب برعياه الأوفياء بأن يعدلوا عن ذبح أضحيات العيد، وبأن يمتثلوا لهذا الأمر المولوي.. وذلك بإلغاء الاحتفال هذه السنة بهذه السنة.. حفاظا على مخزون الثروة الحيوانية من رؤوس الأغنام.. وسيقوم جلالته بذبح أضحيتين واحدة تقربا إلى الله عن نفسه وأخرى نيابة عن شعبه الوفي..

- يا حسرتاه؛ دعنا من هذا، ماذا عن تكسير الروتين،أريد أن أقول إن حبل العطلةأوشك أن ينصرم ونحن لم نبرح بعد مضاربنا..

- لا سفر لنا مع الغلاء الفاحش، أينما تولي وجهك تجد جهنما..القطارات، الحافلات الفاندق، المطاعم، كلها ألسنة لهب تتراقص..

- من أمامنا جهنم..

- من ورائنا جهنم..

- من فوقنا جهنم..

- من تحتنا جهنم..

- جهنم.. جهنم..جهنم..جهنم..جهنم...

- إذن لا سفر؟

- لا سفر يا صاحبي.

- لا عيدا سعيدا هذه السنة..

- لا عيدا سعيدا هذه السنة.

- ليت عقارب الساعة تدور دورة إلى الخلف ولو دورة واحدة..

- كان الله في عوننا..

- كان الله في عون جيراننا..