نصوص أدبية

غسيل دماغ

لا تغسلوا دماغي أكثر ..

فقد نسيتُ منذ التقسيم  لُغتي العربيّة ..

atif aldarabsa

غسيل دماغ / عاطف الدرابسة

 

إليهم :

أرجوكم ..

لا تغسلوا دماغي ..

أرجوكم ..

لا تغسلوا دماغي ..

ها هي بيضاءُ كالثّلج ..

ناعمةٌ كالقُطنِ ..

أكثر " فرمتةً " من iphone X ..

خاليةٌ من كلِّ مشاهدِ الذّبحِ والقتلِ ..

لا صورةً فيها لطفلٍ ..

حذفهُ البحرُ ذات هجرةِ خوف ..

ولا صورةً فيها لنساءٍ ..

يعبُرنَ الحدودَ كالزّواحفِ ..

ولا صورةً فيها لمُدنٍ ..

تعودُ الفَ سنةٍ للوراء ..

أرجوكم ..

لا تغسلوا دماغي أكثر ..

فقد اختفت منها كلُّ الأسئلة ..

وسُحبت منها كلُّ الأفكارِ المُغيّرة ..

لم يعُد فيها أثرٌ ..

لخطابٍ دينيٍّ ..

وفقهيٍّ ..

وسياسيٍّ ..

مُتشدّدٍ أو مُتطرف ..

ها هي خاليةٌ كالفراغ ..

من كل الروايات المضادة ..

من كلِّ التساؤلاتِ البنيويّة

أرجوكم ..

لا تغسلوا دماغي أكثر ..

فهي أكثرُ صفاءً من دماغِ طفلٍ في المهد ..

لا يعرفُ معنى التنظيمِ والتجنيدِ في الجماعاتِ الارهابية ..

أو غيرِ الارهابيّةِ ..

لا يعرفُ معنى الاستقطابِ ..

أو الدّعايةِ ..

أو مفهومِ الجاذبيّة ..

لا تغسلوا دماغي أكثر ..

فأنا لستُ ذئباً ضالاً  من الذئاب الداعشيّة ..

ولا من أصحابِ السوابقِ الاجراميّة ..

لم أكُن يوماً مُنحرفاً ..

أو باحثاً عن مالٍ ..

أو آلةَ قتلٍ ..

أو من هواةِ العُنف  أو المُرتزقة ..

لا تغسلوا دماغي أكثر ..

هاتوا لي كلَّ أوراقكم ..

لأبصُمَ بعشرةِ اليدين ..

وعشرةِ الرجلين ..

وبالجبينِ والعينين ..

أنّني لن أتحدّثَ عن الفسادِ والمؤامرة ..

لن أسألَ سؤالَ الهُويّة ..

لن أسأل عن مفهومِ الدّولةِ والديموقراطيّة ..

لن أسأل عن الفراغ الرّوحي والبطالة ..

وأعدكُم بأنَّ جغرافيا عقلي ..

خاليةٌ من العراقِ واليمنِ ..

من ليبيا والشّامِ ..

ولا وجودَ فيها لدولةٍ فلسطينية ..

لا تغسلوا دماغي أكثر ..

فها أنا أعودُ إلى نقطةِ الصّفرِ ..

بلا هدفٍ أو رسالةٍ أو قضيّةٍ ..

فلم تعُد مشكلتي أن أُناهض الامبريالية ..

أو أن أقومَ بثورةٍ على شبكاتِ التواصلِ الاجتماعية ..

لا تغسلوا دماغي أكثر ..

فها أنا أُجيدُ اللغةَ الانجليزية باللهجةِ الامريكيّة ..

وأُتقنُ الفرنسيةَ والرّوسيّة بدهاء ..

ؤأعرفُ أسرارَ اللغةِ التركيّةِ والفارسيّةِ ..

وأعرف كلَّ اللغاتِ التي يتحدثُ فيها ..

أعضاءُ مجلس الأمن على الأراضي الأمريكيّة ..

وها أنا الآن أُجيدُ بطلاقة اللغةَ العبريّة ..

لا تغسلوا دماغي أكثر ..

فقد نسيتُ منذ التقسيم  لُغتي العربيّة ..

د. عاطف الدرابسة

 

 

في نصوص اليوم