نصوص أدبية

لِمَنْ أرعشتْ كلّ تفاصيلي

jawad gloomإلى الصديق

 المُعنّى مثلي

ماجد الغرباوي


 

لِمَنْ أرعشتْ كلّ تفاصيلي / جواد غلوم

 

"كـلانـا تَــرَمّـلْـنـا وغـام بِــنـا الأسَـــى

يَــهـيـمُ بِـنا شَــوقٌ إذا اللـيلُ عَـسْـعَـســا

 

نَــهـارٌ كـئـيْــبٌ مُــظْـلِــمٌ كــشـمــوســهِ

فـلا الصبْـحُ إشْـراقٌ ولا الضـوءُ ونَّـسا

 

وجُــومٌ هـي الأوقــاتُ دون حـبـيـبـتِـي

مُعَـطّـلـةُ الأنـوار صُـبْــحـا ولا مَـســا

 

أحِــنّ الـى الضوضاء في رِفْـقـتي لها

كرهتُ هدوئي أن أرى البيتَ أخرسا "

 

أخاطبك يا كلّ تلاوين فرَحي التي أحزنْـتِـها اسوداداً وحِدادا .

ولا أوهم أني أخاطب نفسي الأمّارة بالميل إليك .

أنت ماء انطفائي يوم اشتعلتُ سعيراً .

قدحة اشتعالي في ظلمة الليالي الحالكة المدلهمّة بالخوف والترقّـب ووساوس الفراق .

أنت دوران عجلتي ومسيري غير العاثر مع كثرة المطبّات والعثرات الجسيمة والهِوى السحيقة التي لاحت في طريقي .

كابح وقوفي انا السريع الدوران في دواليب الحياة الدائخة .

تجالسني في عزلتي ناراً موقدة لياليِّ الشتاء ذات الزمهرير ، مؤنستي حين يطفح ماء الأسى .

تنأى عني في محفل جمعي حين تحوطني المباهج ويتكوّم حولي من أتلذذ بالتئامهم معي من الأصدقاء ومقربيَّ الأحبّة .

ليس لي سواك يا سوطاً لاسعاً حينما أتراخى مشياً هَـونا أنا الحصان الجامح شوقاً للقائك والواهن الذابل حنيناً طاغيا ميؤوسا منه اليك .

حصيري الوثير حينما أنهك من الكدح ويسري فيّ الارتخاء ، ومُـتّـكأي حين يرتخي وينهدّ قوامي .

قافيتي النادرة الملأى برويّ الحروف المنسجمة حينما يزورني الشعر خاطفا .

أملي العريض كفضاءٍ شاسع حينما يتجهّم اليأسُ أمام مرآي وينقبض الصدر احتباسا وخناقا .

سفالتي حينما تضجّ الشهوة وتطيح بجسدي ويعربد الشبق في أنحائي.

زئيري الصارخ عندما تعتريني الشجاعة .

جعجعتي غير الفارغة وهي تدرّ طحنا وفيرا .

يا حبل قيدي أنا المنزوع من الفتوّة مذ رحلتْ ميعة صباي مودعةً جسدي .

انت مبعث حريتي الرهينة في يد جلاّدي الشرس ، الخالي من دسَـم الحنوّ .

ذلك السجّان الأصمّ من الحب واضعاً في أذنيه سدادتين من طين وعجين .

يا ظلّي البارد في هجير مواسم الرياح الخماسين والسموم .

آخر أنفاسي الطيبة وأنا أودّع الحياة ملوّحاً بمنديلي .

خاتمة حرفي وهو يضاهي ختام المسك وأنا أكتب ذيل قصيدتي الأخيرة .

شوط خطوي السريع الهارب وأنا أفلت من قبضة خاطفيِّ .

أنتِ آدميتي يوم كنت أتربع مرغما بين الوحوش البشرية .

رحَمُ إبداعي الولود نضجاً وتعافياً عندما تشيع النسوة العاقرات في زمان العقم .

هديل حمامتي الرائق لمسمعي قبل أن تخنقـهُ الغربان السود آكلةُ الجيَفِ الشوهاء وخارسة  الحناجر الماسية .

وفرتي أوان القحط واليباس ، ثروتي حينما يعمّ الاستجداء والعوز .

نافذتي المغلقة بإحكام وأنا أصفرُ مثل ريحٍ مجنونة .

مأمني وحِماي وملاذي الآمن عندما تتطاير أجنحة الفضائح .

حاجب عينيّ الحامي وأنا أصون بصَري من إشعاع العمى الأخلاقي والحنوّ الإنساني لعموم البشرية .

أنت ستاري العازل ان عمّ رذاذ البصاق وانتشر في الوجوه .

ومثلما تلبّستُ جِـلدَك وتلحّفتُ به قبلاً وأنت قرينتي في الحياة ؛ سأبقى آناً ولاحقاً يدثّرني كفَنُك ماحييت وما بقيت ؛ مرددا ماقاله بشارة الخوري وهو يهدهد حبيبته في رحلة نومها القصيرة ، لكن هدهدتي ستطول حتى يأذن الحين وأدنو من صنوي القرين ، وشتان بين نوم الليل الذي يتبعه صحوٌ صباحيٌّ  وبين النوم الابديّ  .

 

نم مـِلْءَ عَـينِـكَ ؛ إنَّ عيْـني مِلْــؤُها

دمْــعٌ وإن عَــنَّــفْــتُهـا امْـتلأتْ دَما

 

نـم أنـتَ واتْـركْـني بـلا نــومٍ ودَعْ

رُوحي ورُوحَك فـي الهوى تتكلَّما

 

قلبٌ تجـولُ بـه العواصف جَــمَّــةً

حـتى خَـشِـيـتُ عـليـه ألاَّ يَـسْلـَمـا

 

نـم فالْـهَـوى حَــربٌ عليَّ ؛ لأنـه

يَرضَى بأن أشقَـى وأن تـتـنَــعَّما

 

نم فوقَ صدري إنه مهـدُ الهـوَى

بِــيْـضٌ جوانِحـُـه تَـرِفُّ عليكمـا

 

لوْ أَنَّ بعـضَ هَـواكَ كان تعَـبُّـدًا

وحيـاةِ عـيـنِكَ ما دخلتُ جَهَنـَّما

 

جواد غلوم

 

 

في نصوص اليوم