نصوص أدبية

بلا أقدام!

atif aldarabsaأيّتُها الحروف العابرةُ للهزائم ..

لا تمشي على ضفافِ الضاد ..

فقد جفّت الأحبارُ ..


 

بلا أقدام! / عاطف الدرابسة

 

قلتُ لها :

أيّتها الحروف التي تُهاجرُ من قصائدي

كالطُّيور ..

لم أكن أعرفُ أن قصائدي باردةٌ

كالمحيطات المُتجمّدة ..

ولم أكُن أعرفُ أن لُغتي

لا تصلحُ مأوى للمعاني العتيقة ..

*

أيُّتها الحروفُ المكسورة

كرماحِ آخر المعارك ..

تعالي نأتلفُ ..

ننتظمُ كفرقةِ رقصٍ شاميّة ..

نرقصُ بالسّيفِ والتُّرسِ

رقصةَ الانتصار ..

فمنذُ مئة عامٍ وعام

ونحنُ نسيرُ على هذهِ الأرض

بلا أقدام ..

*

أيّتها الحروف ..

لا تنتظري المطرَ هذا العام ..

فهو في إجازةٍ خارجَ الوطن ..

ولا تنتظري القمرَ هذهِ الليلة ..

فهو مُلقى على أرصفةِ الشّوارعِ

مثلَ التاريخ ..

*

أيّتها الحروفُ التي توقّفت عن الابتسام

مثلَ بلادي ..

لا تُحاولي أن تخرُجي من التّاريخ

كما خرجت مُدنُ الشّرق القديم ..

لا تسيري وحيدةً

في عتمِ النّهار ..

أخافُ أن يخطفكِ الليلُ المُتسكعُ

في شوارعِ دمشقَ ..

وعمّانَ ..

وبغدادَ ..

وبيروتَ ..

وصنعاء ..

*

أيّتها الحروف العاطلةُ عن العمل ..

لا تستمعي إلى ثرثرةِ الضّباب ..

ولا تُصغي إلى غناءِ هذهِ الفوضى ..

فالأزهارُ اليابسةُ لا تفوحُ منها

إلّا رائحة البعوض ..

والحكومات الفاسدة ..

*

كم قلتُ لكِ أن تتحوّلي

إلى حروفٍ تجاريّة ..

أو إلى صالةِ رقصٍ شرقي ..

أو إلى شطِّ عُراة ..

*

أتذكرين

حينَ كنتُ أسألكِ عن الكذبِ

خارجَ أوقاتِ الصّلاة ؟

وعن الفسادِ

في الأشهر الحُرم ؟

وعن علاقتكِ المشبوهة

بالسياسة الخارجيةِ ليلاً

والسياسةِ الدّاخليّةِ نهاراً ؟

*

أتذكرين

حينَ كنتِ تسبحينَ وحدكِ

بلا ذراعين ؟

وتُرضعينَ أطفالَ الحجارةِ

بلا ثديين ؟

وتسكبينَ الدّمعَ

على ثرى المُدنِ المُحترقةِ بلا عينين ؟

*

أتذكرين

حينَ كنتِ تسألين :

مَن أدخلَ إلى قاموسنا السياسي

مفهوم خارطة الطّريق

ومفهوم خفضِ التّوتر

وقواعد الاشتباك والتطبيع

والفوضى الخلّاقة والتّدويل ؟

*

أيّتُها الحروف ..

ما عُدتِ صالحةً لبناءِ قصيدةٍ

بلغةٍ فصيحة ..

ها أنتِ ترحلين

كما يرحلُ التفاؤلُ من دولةِ اليأس ..

ها انتِ تتحوّلينَ

إلى شعرٍ شعبيٍّ مُستعار ..

ومفرداتٍ قديمةٍ

كسيارةٍ مستعملةٍ بلا إطار ..

*

أيّتُها الحروف العابرةُ للهزائم ..

لا تمشي على ضفافِ الضاد ..

فقد جفّت الأحبارُ ..

واحترقَ الورق ..

وتوقّفَ الشّتاء

عن البُكاء ..

سأشدُّ رحالي نحوَ آخرِ القُبور ..

تحملُني أقدامٌ زرقاء ..

حافيةً إلّا من حذاء ..

حسبتهُ ذاتَ يومٍ وطن ..

 

د.عاطف الدرابسة

 

في نصوص اليوم