نصوص أدبية

الرَّمق الأخير

atif aldarabsaيا أرضُ ارحمي مَن في القبور ..

فقد ضاقَ النّهارُ على الجسد ..

كما يضيقُ البحرُ على الموج ..


 

الرَّمق الأخير / عاطف الدرابسة

 

قلتُ لها :.

الأرضُ تنتظرُ المطرَ ..

كما تنتظرُ المدنُ المُعتمة النّور ..

.

السّكاكينُ المسمومةُ لم ترتوِ

من جسد هذهِ الأرض ..

.

الرّبيعُ اعتذرَ عن الحضورِ هذا العام

فلا تحدّقي في السماء

فالغيومُ التي تتجوّلُ في الضواحي هناك

تسخرُ من أحلام العرب ..

.

هل يأكلُ الانسانُ نفسهُ ؟

هل يغتصبُ الانسانُ لحمهُ ؟

يا أرضُ ارحمي مَن في القبور ..

فقد ضاقَ النّهارُ على الجسد ..

كما يضيقُ البحرُ على الموج ..

.

أيُّها العمرُ الرّاحلُ نحوَ النهايةِ ..

ليتكَ تقفُ دقيقةَ صمتٍ عارياً ..

لتهبَ هذهِ الأرضَ قُبلةَ الحياة ..

.

أيّتها الأرضُ

لا تستسلمي للخريفِ

 والغبار ..

اسمعي بُكاءَ جذورِ الأشجارِ المُقدّسة ..

واسمعي ماذا يقولُ التّينُ للزيتون ..

.

يا هذهِ الأرضُ

أرى جُرحكِ يتّسعُ كبحرٍ

كفضاءٍ

أراهُ يبتلعُ ما ينزفُ من دمي ..

كثعبان ..

.

لم يأفل الشتاء

ما زالَ هناك متّسعٌ

ليتسلّقَ الياسمينُ الجدار

وما زالَ هناكَ وقتٌ

للابتسام ..

سأتركُ البابَ مفتوحاً للهواء ..

وأتركُ النّوافذَ مشرّعةً للضوء ..

لعلَّ العطشَ يخرجُ من هناك ..

كما يخرجُ الغُزاة ..

.

لقد تعبنا

وتعبتْ الكلمات

فأحلامي المثقوبةُ

لن تحملَ إليكِ الماء

وقلبي الضعيف

لا يستجيبُ لمشاعر الرّمق الأخير ..

.

أيتها الأرضُ الحبيبةُ ..

سأحملُ جوعي وجوعكِ ..

عطشي وعطشكِ ..

وأسيرُ بقدمينِ تنزفان ..

تخطّان على جبينكِ :

هنا قتلَ الأخُ أخاه

وهنا كانَ الشرقُ شرقاً

وكانت الحياةُ حياة ..

.

د. عاطف الدرابسة

 

في نصوص اليوم