نصوص أدبية

العمرُ الهارب

atif aldarabsaقلتُ لها:

حينَ يضيقُ العُمرُ عليَّ أهربُ إلى أحلامِ الطفولة، هُناك أجدُ متّسعاً من الخيال؛ لأزرعَ الأزهارَ، وأُلقي السّلام على الوجوهِ التي غادرت ذاكرتي حينَ ركبت موجَ الموتِ البعيد .

حينَ يضيقُ العمرُ عليَّ، وتحاصرني عتمةُ الدّروبِ، وكآبة الأيّامِ، أهربُ نحو وجهِ أُمِّي، فألمحُ بينَ تفاصيلهِ صوراً من عالمها البريء، وأُصغي إلى حديثِ الأشجارِ، وهمسِ الغُدران، وأستدعي كلَّ القصص الجميلةِ التي كانت تنثرُ في وجداننا أحلاماً طُويت منذُ سنين.

حينَ يضيقُ العمرُ عليَّ، أهربُ إلى قلمي وأوراقيَ البيضاء ؛ ارسمُ سماءً، وصورةً لوجهِ حبيبتي وهي ترتدي ثوبها الشّفقي، وارسمُ في عُمقِ السّماءِ نجمةً تُشبهُ طفلاً يتعثّرُ في الكلام، يرتجفُ مثلَ عصفورٍ يخافُ المطرَ والظّلام، وارسمُ صورةً لقمرٍ مُصابٍ بالزّكام، وفي مُنتصف الصّفحةِ البيضاء ارسمُ صرخةً ترتعشُ من البردِ، وغابةً من الأفكار، بعضُها دافئٌ، وبعضها عقيم، ثُمَّ أعودُ كحصانٍ وحشيٍّ يبحثُ عن سرجٍ وسيفٍ وآخر فارسٍ غابَ منذُ نهايةِ عصرِ الفُرسان .

 

د.عاطف الدرابسة

 

 

في نصوص اليوم