نصوص أدبية

عمَّان .. ريحها تجرُّ إلى الوراء

atif aldarabsaعمّانُ:

سأُطلقُ الرّصاصَ على أطفالي، وأدُسُّ السُّمَّ في الطّعامِ لزوجتي، وأكتبُ على الحائطِ الذي تسرّبت إليهِ الرُّطوبةُ ؛ فأُصيبَ بالتّرهُّلِ والتّشرُّخ والتّشقق ؛ كأنهُ صورةٌ عن وجهي وجسدي آخرَ وصيتي:

لا تقرؤوا الشّعرَ الذي يتحدثُ عن أيّام العرب، ولا تقرؤوا قصصَ إحسان عبد القدّوس، ولا تتصفّحوا مختاراتٍ من تاريخنا الصّغير، ولا ترمّموا السّفينةَ المثقوبة، وتأملوا كثيراً سورةَ الكهف، فنحنُ وأهلُ الكهفِ سواء .

 

عمّان:

يا بيتاً بلا سقفٍ، ويا قصيدةً بلا وزنٍ أو قافية، لقد نسينا حكايات المطر والشّتاء، ونسينا الفرقَ بينَ جلدِ القدمِ وجلد الحذاء .

 انظري إلينا ..

نمشي على الشّوكِ ..

على الجّمرِ ..

بلا حذاء ..

عمّان:

كنتُ أقرأُ عن الشّعوب البدائية، والمجتمعات المُصابةِ بالفقرِ والتّخلُّفِ، وداء الصّراعات القبليّة، فإذا بي أستعيدُ صورةً عن ذاتي .

 

عمّان:

ها نحنُ نُذبحُ بسكّينٍ مثلوم، ونموتُ ببطء، كما تموتُ الشّمسُ حينَ الغروب .

 

عمّان:

لمَ كلُّ الطّرق إليكِ مفروشةٌ بالأسى والدّمعِ والشّقاء؟

ولمَ صرتِ مكشوفةَ الوجهِ والغطاء؟

حُضنكِ يا عمّانُ صارَ بارداً كوجهِ الأرضِ حينَ يلفحهُ الصّقيع ..

حُضنكِ يا عمّان صارَ بارداً لا يُدفئُ الغريق ..

حُضنكِ يا عمّان صارَ بارداً ليس لنا فيهِ محلُّ كالغُرباء ..

حُضنكِ يا عمّان صارَ بارداً:

هل نحنُ أبناؤكِ؟

أم نحنُ لُقطاء؟

 

عمّان:

ماذا أقولُ لشيخوختي إن سألتني ذاتَ يومٍ:

عن سقوفكِ ..

وعن الجدران؟

ماذا أقولُ لأطفالي إن سألوني ذاتَ يومٍ:

ما الفرقُ بينكِ وبينَ السجّان؟

 

عمّان:

جفَّ النّهرُ ..

وجفرَ الخُبزُ ..

وانطفأَ النّورُ ..

في عينِ النِّجوم ..

وماتَ اللحنُ في جوفِ الحروف ..

وذلَّ الرّبيع في بطن الحقول ..

والرّيحُ ريحُكِ يا عمّان ..

كلّما حسبتُها تأخذُ الزّوارقَ نحوَ الشواطئ الدّافئة ..

أراها تجرُّها للوراء ..

 

عمّان:

نحنُ لا نُلقي الحجارةَ في بئرنا ..

فإن جفَّ ماءُ البئرِ ..

نُقيمُ طقوسَ الحربِ والبُكاء ..

لنرتوي يا عمّانُ ..

من دمعنا والدّماء ..

 

د. عاطف الدرابسة

 

في نصوص اليوم