نصوص أدبية

يا ساقيَ الليل

abdulfatah almutalibiدَعِ الليـــــــاليْ تُغني بالذي حفلتْ

بهِ الحُشاشاتُ مـــــن آلامِ ماضينا


 

يا ساقيَ الليل / عبد الفتاح المطلبي

 

يا ساقيَ الليلِ كاساً مــــــن مآقينا

زِدها جُزيتَ وإنْ طـــالتْ ليالينا

 

ما لي أراكَ إذا هاجـَـتْ مواجِعُنا

تصكُّ سمعَكَ عمّا فــــي حواشينا

 

تستنكر البوحَ منّا لســـتَ محتفلاً

بما نلاقي ولا يعنيــــــــكَ شاكينا

 

وتدعي أنّ إسفينَ الشَــــــجا زلقٌ

قد يستدقُّ من الشــــكوى فيردينا

 

وما تريد بهذا العـذل من غرضٍ

دقَّ الأسافين أم دق الأســـى فينا

 

هات الكؤوسَ وأنعم بالشجا كرماً

أن يخلطَ الكَرمُ مــــن أعنابهِ فينا

 

تعالَ واملأ بها كأســـــــــاً مُهلّلةً

تزيدُ من جَلَدِ الأضـلاعِ تحصينا

 

وهاتِها وعزيــــــفُ الجنِّ سائقُها

ليستْ بمقتولةٍ، صـــــرفاً لتحيينا

 

يا عاذلَ القلبِ إن العـــــذلَ مثلَبَةٌ

كفاكَ قيلاً بما يؤســــــي ويشقينا

 

ماذا دعاكَ لذكـــــراهمْ وقد ذَبُلَتْ

أوراقُنا وخريـــــفُ العمرِ يُنسينا

 

أتُقتَ للسهدِ أم لـــــــلآهِ نزفُرُها

أم للتباريحِ نوريـــــــــها فتكوينا

 

إنْ كانَ لابدَّ مــــــن ذكرٍ فذكرِهمو

كم راعَ قلباً وكــــم أشقى مساكينا

 

دَعِ الليـــــــاليْ تُغني بالذي حفلتْ

بهِ الحُشاشاتُ مـــــن آلامِ ماضينا

 

ولا تخفْ نزرةً مـــن دمعِ محنتنا

كأسُ الجوى لمْ تزل ملأى بما فينا

 

واحذرْ من الريــح إذ تأتي مُبرقعةً

موتورةً حَشدَتْ غــــــــولاً وتنينا

 

تأتي على ظهرِ سُــــــعلاةٍ مدَرّبَةٍ

عجلى تزيد مــــن الأوجاعِ تمكينا

 

جاءتْ تدوسُ عـلى الأكبادِ موغلةٌ

بلحمنا الحي تقطيــــــــعا وتوهينا

 

نرى الجراحَ ونُغضي عن نوازفِها

ونُزجيَ اللّحمَ كي نُرضي السكاكينا

 

وما علينا إذا بيـــــــعَتْ ضمائرُنا

ومرغَ الطين قـــــبل الخدِّ عرنينا

 

أعذارُنا أننا مـــــــــن تربةٍ لزُبتْ

ماءً وطيـــــــــــناً فبتنا حالَنا طينا

 

لقدْ لبِسْنا ثيــــــــــابَ الذلِّ سابغةً

فخلّفَ الذلُّ في أرواحنــــــا اللينا

 

وقد نسينا وراء البــــــــابِ ذائِقةً

وخالتْ الناسُ بعضَ النّشزِ تلحينا

 

فما سمِعنا سوى من ناشزٍ صلِفٍ

مثلَ السِهامِ عزيفاً كــــادَ يًصمينا

 

حتى البلابلَ لمّا أنصـتت صَمَتَتْ

وصارفي الأيـك فحُّ الصّلِّ ترنينا

 

ولاذَ بالصمتِ ذو قالٍ وقد ملآت

أم الغــــــراب نعيقاً كلَّ وادينـــا

 

تصايحتْ بنعيـــــــبٍ لا نظيرَ لهُ

وصاحتِ البـــــكمُ للإقرافِ آمينا

 

ظنّ الذينَ سجـــايا الدُهمِ تحكمُهم

بأنّ ما اقترفوا رســــــماً وتلوينا

 

وهمّشوا المتن حتـى ضاعَ أغلبُهُ

وبالغوا برثيــــــــثِ القولِ تمتينا

 

وفرّ كلُّ هزارٍ مــــــــــن حدائقنا

وجففَ الأفـكُ فيــنا الكرمَ والتينا

 

صرنا على مـــلأِ الأشهادِ مهزلةَ

ظهورُنا طأطأتْ للســـوطِ يُدمينا

 

أعناقنا قصُرتْ أجــــرامُنا هزلتْ

أعماقُنا ضحُـــــلتْ بالبؤسِ تُنبينا

 

فما انتبهنا سوى والشمس تحرقُنا

وما لبثنا سوى والليـــــــلُ يُخفينا

 

كأننا لم نقارفْ فـي الحياةِ هوىً

يصُمُّ آذاننا خـــــــــــوفٌ ويعمينا

 

كأننا من قطيـــــــع الشاءِ تعرفنا

أو أننا كلنا صـــــــــــرنا مجانينا

 

لابد لليل من صبـــــــــحٍ بمقدمه

باتت بأخباره الســــــاعات تنبينا

 

في نصوص اليوم