نصوص أدبية
زوربا يرقص على إيقاع نشيدنا الوطنيّ
أَبْرِيَاءٌ مِنْ وَرْدَةٍ تَفَتَّحَتْ عَلَى وَجْهِ الإِسْفَلْتِ
أبْرياءٌ تَمَامًا مِنْ صَوْتٍ يَقْطَعُ الأَلَمَ
ويمزِجُ ريقَ الحمامِ بقطرةِ فرحٍ
أَبرياءٌ حَتَّى النّخاعِ مِنْ فَرحةِ طِفْلٍ يتوضَّأُ كلَّ صباحٍ بِالجُوعِ ورائحةِ أُمٍّ تأرجحتْ في الذَّاكِرَةِ
أبرياءٌ
وتَجلسُ المدينةُ علَى مقْرُبَةٍ.
تُعَانِي عُشَّاقَهَا المضربِينَ عنْ شِفَاهِ حبيباتِهِمْ
تُنَزِّهُ شَوارعَهَا الموبوءةَ بالحُفَرِ
وحجَارةٍ مُصابَةٍ بفوبيَا الجمعةِ
تترصّدُ الحنَاجِرَ حذَرَ قَذْفٍ مُفاجِئٍ
تَنْظُرُ المدينةُ إلَى عوْراتهِمْ تَتناسلُ عَلى وَاجِهَاتِ المَحلاَّتِ
تَمُدُّ أَلْسنَتَهَا للمارَّةِ
"مُوتُوا بِحُبِّكُمْ"
.
هذِي المدينةُ وطنٌ قاتلٌ
يبدأُ يومَهُ بالبَصْقِ علَى وُجُوهِ الفُقراءِ
وَطَنٌ دَرَّبَ نشرةَ الأخبارِ علَى عَرْضٍ
في المزادِ العلنيِّ
تَعلَّمَ كيف يُحوِّلُ دَمًا مجهولَ الهُوِيّةِ
إلَى لاَفِتَةٍ إشهارِيّةٍ
تُطْلِقُ غَازَاتٍ شَالَّةٍ للخَجَلِ
وَطنٌ تعلَّمَ كيف يمنحُنَا دمًا مُعلَّبًا
حُبًّا مُعَلَّبًا
قَتْلاً مُعَلَّبًا
تَعَلَّمَ كيف يَنْتَزِعُ اعترافاتٍ عموميّةً
بتهمةِ تحويلِ وجهَةِ قَمَرٍ قَاصِرٍ عنِ الضَّوْءِ
نَحْوَ لَيْلٍ غَارِقٍ في السَّهَرِ
تهمةِ شَاعرٍ صَنعَ قذيفةَ نثرٍ
يُفخِّخُ بِهَا جَوَاربَ البوليسِ
تُهمةِ عسّاسِ الجبّانةِ
زَيَّنَ كفنًا بحزامٍ نَاسِفٍ للحُزْنِ
وطنٌ يحتفِلُ بخساراتِهِ
ويَضحكُ بأفواهِ الذّئابِ
أبرياءٌ
أبرياءٌ
يُوَزِّعونَ أوسمةً على طرقاتٍ تَفْتَحُ أزْرَارَهَا للرِّيحِ
يُكَمِّمُونَ أفواهًا عاطلَةً عن الصَّمْتِ بِبِطاقاتِ احْتراقٍ
هَا هم يبرّرونَ بلاهَتَنا بسرٍّ ربّانيٍّ
نَبْتلعُ الرِّيقَ مع حَفْنَةِ سرابٍ مُرٍّ
هاهم يأكلونَ زَيْفَهُمْ وها هي الأرضُ تزغردُ لموتِهَا
تَبَارَكَتْ ساعَةُ الجَدْبِ، تَبَارَكَتْ مَسَامِيرُ الْخِيَانَةِ نَدُقُّهَا وَنَرْضَاهَا
.
كَمْ هُمْ أَبْرِيَاءٌ مِنَّا
وَكَمْ نَحْنُ مُتَّهَمُونَ بِهِمْ
.
ها نحْنُ نَرى الوطَنَ يكابدُ عرجَهُ وَيَرْقص، يَضعُ ذِراعًا على كتفِ زورْبَا ويرقصُ، وبذراعِه الأخرى يلْكَزُ وجُوهَنا لنرْقُصَ معا على إيقاعِ نشيدِهِ الرسميّ.
عائشة المؤدب/ كاتبة تونسية