نصوص أدبية

الـــــدّاءُ ...

husan anbaralrikabiمَدينَةٌ جَزَّتِ الأرْذالُ شَعْفَتَها            وَقَـــرَّ فوقَ ثَراها الغَيضُ، والرَهَبُ

خضراؤها سَفحُ أجذاعٍ مُمَزَّقَةٍ          مِنَ النَخيلِ بِحَـــرِّ الصَبْرِ تَنتَصِبُ.

أَتَوْا على اللَونِ والفَحوَى بِهامَتِها       مِن بعدِما طالَ ما صانَتْهُما الحِقَبُ.

مَدينَةُ بُثَّ في أرجائِها بَشَـــرٌ            لِلبِشْرِ والقَيضِ فيما حَولَهم شَغَبُ،

وَقَرَّ في جَوفِها بَحْرٌ خَزائِنُـــهُ           مِمّا يَرومُ ويَبغي الكِبْرُ والغَلَبُ.

لا تُرتَجَى عِندَها أسماءُ مُوصِلةٌ        لِبَعضِها والحَواري وهيَ تَنشَعِبُ،

فلا سَبيلَ إلى طَيّاتِها وَبِـــــها           إلّا الإشارةُ والإيماءُ والنَصَبُ:

على الطريقِ الذي بَناهُ

مِنْ وَسطِها للفَلا ارتحالُ،

على الطريقِ الذي دَعاهُ

لِمُشْتَفىً غَربَها مَــــــآلُ،

بُعَيدَ أنْ مَسَّهُ التِقـــــاءٌ

بِرأسِ (بَشّارَ) فانْشِغالُ 1

حَيثُ رَصيفٌ دَوَتْ عليهِ

رُكامَةُ الصَّخْبِ إذْ تُهالُ

في يَسْرَةِ الدَّربِ حيثُ تَغدو

تُلَوِّنُ الباعَةَ الخِصـــــالُ

خَلفَ الدَّكاكينِ ناظِراتٍ

وَخَلفَ ما يُصْعِدُ السِجالُ

وحَيثُ صَفُ البِناء يَثني

هَجيرةَ الدَربِ أو يَنالُ

لُزَّتْ مَبانٍ هُناكَ غُبْرٌ

تَقولُ ألوانَها الرِمـــالُ.

مُمْتّدَّةً جِدُّ واطِئاتٍ

كأنَّما حطّها انخِذالُ.

أزِقَّةٌ تَلتَوي فَيَخفَى،

للفَرْدِ، مِن شَرّها احتِمالُ.

مُعلَّقٌ فوقَها سُكونُ

غادَرَها بَلقَــــعاً وَبالُ.

في تِلكُمُ البُقعّةِ الجَرداءُ، غالبَةً         مِنْ وَطْأةِ العُمرِ، فيما بَينها الخِرَبُ.

خَطَّ التُرابُ دروباً فوق أسطُحِها        فصار من رَكْمِه في وجْهِها نُـــدَبُ.

أوصالُها: مِن بَقايا كَبْوَةٍ سَلَفَتْ،         مَضَى وَوَلَّى ولَمْ يَعْبَـــهْ بِها سَلَبُ.

لَن تَلتَقي لَو أرَدْتَ الغَمَّ مُتَّسَخاً         لا يَرعَوي بَعْدَ ما اسْتَشْرَى به كَلَبُ.

لَنْ يَعتَريكَ نُفُورٌ طاشَ مَهْرَبُه           مثلُ الذي كان في أركانِها يَثِبُ.

لَن يَستَبيحَكَ غَمُّ حَطَّ نـــازِلُهُ            تَجْثو على النَفسِ مِنْ أجوائِهِ سُحُبُ،

مِثلُ الكَآبَةِ في ذِي الأرضِ، هابِطُها   يَعيَى بهِ من قِواكَ العَزْمُ والرُكَبُ.

                                             ***

في تِلكُمُ الأرضِ يُسرَى الدَّربِ، قابِعةً    على عِنادٍ غَذاهُ الصَيْفُ والعَصَبُ،

تَرى الخَرائِبَ تحتَ السَطْعِ يُوصِلُها  إلى شُخوصٍ خَسيساتِ المُنَى سَبَبُ.

تَأتيكَ، في حَومَةِ التَسْآلِ، تاليةً لِبَعضِها، جانِياتٌ، عَدُّهــــا سَــــرَبُ،

تَأتيكَ، في دارَةِ الرُؤْيا، مُعاوِدةً       أرضَ الجريمةِ، والآثــــامُ تَجْتَـــــــذَبُ:

                                           ***

تَأتي وتَجزيكَ، فوق المِزْقِ، حاذِرةً      خُطىً تَخَيَّرُ مَهــــــواها وتَنتَخِـــبُ

خُطىً (لِدَمّارَ)، لا تُخفي خياشِمَهُ،        لَو أضمَرَت ما نَوى أو كانَ يَحتَقِبُ.

لَهُ الصَدارةُ في مَمشاهُ تَكنُفُهُ             زُهّادُ صُبْحٍ، وقَد حَلَّ الدُجى، نَهَبوا.

قدْ كانَ طالَ على عَجزٍ تَحَرُّزُهُم وفي الوَضيعَةِ، ساعَ السَطوةِ، انقَلبوا.

جَرَتْ خُطاهُ ولَولاها لَما دَرَجَتْ        خُطىً ( لِبَرْزانَ)، تَستَعلي وتَسْتَلِـــــبُ.

تَعاوَنا تَحتَ ما أوهَى وأوهَنَ مِن       حَولِ العِراقِ، فلا يَشري المُنى الذَهَبُ،

جَرَى السُّرورُ بِبَرْزانِـــيِّهِ جَبـــــَـلاً،    لَمّا استَبانَ بِطولِ النَخلةِ الحَدَبُ.

هذا يَبيعُ ذَويـــهِ كيْ يَسودَ بِهِم،       وآخَرٌ يَشتري مِن ذا ويَغتَصِـــــــبُ.

                                             ***

يأتي فَتىً في احْتِدامٍ، ساقُ مَنطِقِه       -وذاك ساقٌ له- في السَّيرِ تَضطَرِبُ.

أَحْلامُهُ مُوقَداتٌ مِن مَصالِحِه            أو بُغضِهِ، لَمْ يَنَلْها مِنهُما التَعَــــبُ.

أتَى يَحُفُّونَهُ عُبّــــادُهُ قُــــــدُماً          وفي الخَرابَةِ في سَيّاراتِهم نَعَبــــوا .

فَتىً إذا اسْتَعَبْتَ جَناحاَ مِن عَجائِبِهِ      أتاكَ طَلْقُ الحَوارِيّينَ يَصطَخِبُ.

                                             **

يأتيكَ في الحارةِ (الجَفْرِيُّ) مُنفَـــــرِداً       يَغْشاهُ مِن حَولِهِ كِبْرٌ ويَصطَحِبُ.

لا يُبصِرُ الوَحلَ، مدَّ العَينِ، ناظِــــرُه        وإنْ رَآهُ عَلَتْ مِن لَفظِه حُجُبُ.

مُستَغِرِقاً في هَوَى أعطافِهِ أبَداً،             ألسَبقُ والصِّيتُ ما يَبغيهِ والرَغَبُ. 

                                             **

مَرَّ الرُّجَيفِيُّ والهَشْميُّ، في كَمَدٍ أنْ لَم  يَكُن أمرُهُم للُّبِّ يَختَلِــــــبُ،

كانا يَرومانِ ما يُؤتَى مُغالَبـــــــةً      مِنَ المَراتِبِ، لا أنْ تُمنَــــــحَ الرُّتَبُ

مَرّا على مَلَلٍ، ما حَثَّ حِرصَهُما       شَراكةُ الدارِ، ما تُؤوي وما تَهَبُ،

بَلْ بانَ أنّهُمـــــا كانا وقد وَصَلا        لا يَأبَــــهانِ بِها أنْ حَلَّــــــــها النُوَبُ.

                                             **

طالَتْ ثِيابُ الصَحارَى في تَوافُدِها     على الخرابةِ، في أطْوارِها العَطَبُ

قَد هَزْهَــزَتْها صَغاراتٌ تَجاذَبُها        ريحٌ تَهَيَّأُ في الماضي وتَنْسَـــــرِبُ.

أنْفاسُ عُشاقِ مُلكٍ قد مَضِينَ بِهِم        وحَلَّ مِما رَأَوا في مَنْ تَلَوا عَقِبُ.

أنفاسُ بُغضٍ مِنَ الماضي يُرَدِّدُها      عَرْشٌ هُوَ الوَهنُ أو عَرشٌ هو اللَّجَبُ

تَخشَى تَخاطَفُها مِن حولِها أمَــــمٌ       أو مِنْ بَنيـــها إذا في السَخطَةِ التَهَبوا.                                      

**

أمْريكَةُ الجَهْرِ والإسرارِ قائِمَةٌ                 على الزوايا تَعَرَّى ثُمَّ تَحتَجِبُ.

لَها بَنينٌ كَفَوها حاجَ رِحلَتِـــــها              إلى الخرابةِ إلّا إنْ قَضَى أرَبُ.

أبناءُها لَم تَلِدْهُم، غيرَ أنَّهُـــــمُ                مِن رَحمِها دَرَجوا، أعمالُهم نَسَبُ.

أبناءُها مَن رَعَتْ واسْتَنْهَضَتْ وَغَذَتْ     ومَنْ إلى هؤُلا وَطْءٌ ومُقتَــرَبُ.

أبناءُها الآخَرونَ، السائحونَ على         وَجْهِ الرَّذيلةِ بَيّاعونَ ما انتَهَــــبوا.

المُرتَشونَ، لها كَفٌّ، تَرُدُّ بهـــــــا         داعي الصَّلاحِ لِبابِ الفَعْلِ يَقتَرِبُ.

والخامِلونَ أعانوها لِغايَتِـــــــها           ألَّا تُغـــــادِرَ عَينَ الخِـــربَةِ التُرَبُ

والواقفونَ، بأبوابِ العَمى جَهَدوا         لِكي تَؤوبَ وتَخْفَى عندَه الرِّيَبُ.

أمْريكَةُ الوَثَنُ المَبثوثُ، أشْطُرَها         وَلَّوا وجوهَهُمُ ساهٍ ومُكتَسِبُ.                                            

                                             **

أزِقَةٌ مُدْبِراتٌ حَولَــــها جُـــدُرٌ          يَخشَى تَقابُلُها بَعضاً ويَجتَنــــــبُ

روائِحُ اليَبْسِ فوقَ الوحْلِ واقِفَةٌ         وَمِثلُها واقِفٌ يَأسٌ ومُرتَقِــــــبُ       

فيها تُعاوِدُ اسرائيلُ مِشْيَتَها              لِكَي تَرَى ما أتَتْ أو أبْقَتِ العُصَبُ.

تَسْتَطْلِعُ النِقْضَ كَي تَبني به صُرُحاً    مِنَ الهَشاشَةِ لا يَعلُو بهِ طَلَبُ.

ولا يُحيطُ بهِ عِزٌّ ولا زَهَـــــرٌ          ولا يُقيمُ بِهِ إلّا مَنِ احْتَرَبـــــوا.

قَدْ سَرَّ إسْرائِلاً فيهِ بِأنْ وَجَدَتْ         مَطامِحَ الجِــدِّ يُؤتي بَعضَها اللَعِبُ.

وأنَّ غاياً تَفوتُ الصِدقَ طِلْبَتُها          قَدْ يَجتَبيها ويَجني أُكْـلَها الكَذِبُ.

سُرَّتْ بِأنَّ لَها مِن وِلْدِها نَفَرٌ             يَقتادُ في السَهْلِ أمريكا ويَحتَلِبُ،

ويَرفَعُ السوطَ، مِن مالٍ ومِن حِيَلٍ      يَثْني بِه رأسَ أوْرُبّـــــــا وَيَجتَذِبُ.

سارَتْ، وعَجْزُ خَـــرابَةٍ، فَـــرَحٌ               يُجري أماناً لِآتِيـــها ويَكتَتِـــــبُ،

سُرَّتْ بِأنَّ يَداً مَوهونَةً خَفَتَتْ            بَينَ الخرائِبِ لَنْ يَنتابَــها الغَضَبُ

وأنَّ مدرسَةً، طُلّابُها انْفَرَطُوا           عَنها، سَتَعني رُؤوساً وَقْعُها ذَنَبُ.

وأنَّ أرضاً، لَها سُلطانُها تَبَعٌ            لَنْ تُمسِكَ السَيفَ فيها الأنفُسُ النُجُبُ.

سُرَّتْ بأمريكَةٍ أدمَتْ فَريستَها           وأنَّ أنيابَها في نَهشِـــــها، عَرَبُ.

صَغيرَةٌ، مَكْرُها يُغوِي كَبيرتَها  إلى حَريقٍ بهِ أضدادُها الحَطَبُ.

تَكَسَّرَتْ بَعدَها الظِـــــــلالُ

على هَشيمٍ له انْتِقـــــــالُ

تَجاوزَتْ كِسْرُهُ الفَيـــــافي

وصارَ مِن بعضِه التِــــلالُ

إلاّ قُصورٌ لها انْصِيـــــــاعٌ

وَغيرُ مُــدْنٍ لها امتِثــــالُ

مُدَّتْ بِتلكَ القُرى حُقولٌ

وعــادَ إسْرائِلَ الغِـــــلالُ

قامَتْ بهذي القُـــرى مَعانٍ

يَخُصَّ إسْرائِلَ الجَـــلالُ.

               **

سَيُصبِحُ السَبْخُ والكَلالُ

تَساؤُلاً شاءَهُ الجَمــــالُ

ستَهجُرُ المَشهَدَ اسْـــرَآلُ

إذ يَرتَقي حَولَها الســـؤالُ.

حسين عنبر الركابي

5-10-2016

...................

1- شارع بشار في مدينة البصرة، معروف.                                                                                                                                                                                                                                                                          

في نصوص اليوم