نصوص أدبية

صدري .. مقبرةُ الأحزان

عاطف الدرابسةقلتُ لها :

أزرعُ في الرِّيحِ

أسراباً من الأحلام

تسافرُ من الشَّرقِ إلى الغربِ

ومن الجنوبِ إلى الشَّمال

وأعجنُ التُّرابَ بماءِ السَّماءِ

ودماءِ الحُروف

وأنتزعُ من البحرِ أمواجَ الغضب

لأحملَ بيدي التِّمثالْ

وأمشي

نحو بلادِ الوهمِ

والسَّرابِ والخَيالْ

لعلَّني أصلُ إلى يقينِ اليقين

فأُقدِّمُ العزاءَ للجُذورِ

وأعتذرُ عن الماء

كم قلتُ لهم :

لا تركبوا البَرقَ

حين الرِّيحُ تصيحُ

والموجُ عالٍ

.

كم قلتُ لي :

تأمَّل الشَّرقَ

وارجعْ ألفَ ميلٍ قبلَ الميلادِ

لا أثرَ لهم هناكَ

ولا قدَمْ

.

املأْ عينيكَ بالغضب

وامضِ بسيفٍ من حروفِ الهِجاءِ

واكتبْ على رقابِهم

بعدَ العتقِ :

لا تخافوا ؛

فأنتم منذُ أوَّلِ حرفٍ

نُقشَ على الصَّخرِ

عبيدْ

و أنا لا أقتلُ العبيدْ !

.

بينَ جوانحي شوقٌ

لا يتوقٌَفُ عن البُكاءِ

يسرقُ من ليليَ النَّومُ

ويسرقُ من قلبيَ النَّبضُ

ويسرق من عينيَ الضُّوءُ

يفضحُني شوقي إلى الأحلامِ العتيقةِ

كما تفضحُ الخيولُ أشباهَ الفرسانِ

فيتساقطُون

يتساقطُون

كحبَّاتِ العِنبِ الذَّابلِ في تموز !

.

صدري مقبرةٌ للأحزانْ

للأغاني

لكرومِ العنبِ

للرُّمانْ

لأشجارِ التِّينِ

للزَّيتونِ

للجنونْ

للفقراءِ

لسُكَّانِ العتمِ

والرَّصيفْ

للباحثينَ في زمنِ الذُّلِ

عن الرَّغيفْ

.

صدري بيتٌ من طينٍ وحنينٍ

للذَّينَ يسكنونَ العَراء

ويخيطونَ من الجوعِ

ثياباً وخيامْ

صدري مأوى لليتامى والأراملْ

لما تبقَّى من سُلالاتِ الشَّرقِ

والقبائلْ

لأصواتِ العصافيرِ

وشدوِ البلابلْ

هل سألتَ يوماً شظايا القنابلْ

عن ضحكةِ طفلٍ

وعن صلاةِ السَّنابلْ ؟

.

عبروا البحرَ

غيَّروا الهُويَّةَ

وجوازَ السَّفرِ

وتركوا الياسمينَ يموتَ في الشَّامِ

والرُّمان

تركوا الرُّمانَ مذبوحاً في صنعاءَ

والنَّخيل

تركوا النَّخيلَ ينزفُ مُبتسِماً في العراقِ

.

عبروا البحرَ

غيَّروا الهُويَّةَ

وجوازَ السَّفرِ

والعِطرَ

وتسريحةَ الشَّعرِ

وتركُوا النَّهرَ العظيمَ يبكي

ويسألُ العابرينَ

إلى الهُناك :

مَن يروي عطشِي وعطشَ الصَّحراءِ ؟

فأجابوهُ بصوتٍ واحدٍ :

يرويها من سَرقَ الماءَ

من بُطونِ الجِمال !

.

د.عاطف الدرابسة

 

في نصوص اليوم