نصوص أدبية

كان واحــدا فَتَعَدّد.. !!

محمد المهديعند مولـــد التاريخ،

انفلت من ضِلعي نَفَس طيّب..

مُضمخٌ بعطر التـّــــراب

يُسمــــــى "وطــــــــن" .

تأبط بي كأنه قدرٌ،

لا ينفك يسير بي صوب الفجر العنيد،

وأهدابُ الشمس في خجل عذري

تُراقِص الأفق البعيد .

ريحُكَ تحاصرني

يا وطنا مَرَّغَهُ بَنُوه

في مُستنقع العبيــد !

وطني يا ما تبقى من تاريخ الحب ..

و يا صَدَفَة أغفلَـــــهـــا الغزاةُ

مُجَوّفَـةً بين ثنايا القلب .

عَلّمَني الثّـرى كيف تُخبأ الأشواق

في دفاتر الأرض ..

وكيف يُكتبُ التاريخ على المقاس،

وكيف يخضعُ الكَتبـــةُ الكَذَبــةُ

لسطلة الطلب والعرض!

علّمنـي كيفَ أسيرُ صوب

الشمس مُفَخّــخــا بالأمــل ..

و كيف تُسجَّر الأحلامُ بالمهنّد و القُبَل !

يُساورني حُبُّــكّ كُــلَّ رَمْشَـــــة،

مَهما جُــرْتَ،

و باعَدَت بيننا الأحـــلام ..

في عينيك يا وطني تاريخ للأحزان،

و قصائد تَنْعَــى فيـك الإنسان.

و تعاتبني فيكَ الكلمات،

وتنتابني القصيدةُ مُزمِـنــةً،

إذا ما تَساوَقَــتْ إلى مِربَضي الأوهــام.

يا وطنا واحدا..

تَشظّـى على شَفا التاريخ،

فتناسَلَت من حَسرته أوطان و أوطان

وأشبــاهُ أوطـــان !!

وطن مُسمى عربي ..

بما في الإســـم من لغم،

وبما في الوطن من سقم .

وبما في القلب من ألــم،

تَوَزّعَ بين روحٍ و دم ..

هُنا رأسٌ وهناك قوائمٌ و سواعد،

وهنالك عَينٌ و فَــــــــــــــم !!

من المحيط الى الخليج..

أجداثٌ سامقة كأعجاز نخل

تَرَبَّــصَ الهوانُ بهــا ..

ذاتُ العلّة، و ذاتُ الوَرَم .

لا أستثني أحــدا،

كلّ طائِرُه في عُنُقه،

يَستجْدي الفَكاكَ مُنفَردا ..

وذاك ما يَبغي الذّئب من الغنم !!

في هوى الكرسي يغرق،

و من أجل الكرسي يسرق ..

و يخون و يزني ..

و لعقَ الجزمة يعشق،

و أرواحَ الناس يُزهـِـق.

يا سيدي الكرسي!!

لك في بلادي قداسة العبادة .

و على أعتابك تنحني الكرامة والارادة ..

وتتناسل في هواك طقوس

الطاعة و الولادة..

فلك المجد سيدي الكرسي

مادام الشعب خادما لأصحاب السعادة،

و مادام للعتاة الولاة،

حق القيادة و الريادة ..

و شرف السقاية و الرفادة .

سيدي الكرسي ..

انت المبجل المكلل،

اينما حللت سهلا،

و حيثما حضرت اهلا ..

لك أقداس الولاء و مراسيــم الوفادة .

فدُم مُخلدا سيدي

لأصحاب المعالي والسعادة،

و أحفاد القادة والسادة!!

يا أيُّ هذا التراب الشّقي،

من كَساك رِداء الهَوان

غير نسلٍ للمجدِ تَنَــكّر !

و زُرّاعِ شَوكٍ،

و سُقاةُ ذُل في زمان أَغبر !

من باع رائحة العشق،

و سَنا الغَيرة

غير نسلكَ خلف شرف تَوارى،

و في رِداءِ الذّئب تَدَثَّـــر !!

شعب في القاع يقبع،

وحكومات لا تَسمع،

و تماسيح لا تشبع،

و لصوصٌ لا تقنع،

و لا صوت في الحق يُرفــــــع،

أو أَمَـــــلٌ في الأفق يسطــع ..

أَ وَطن هَـــذا أم مُستنقع !!

من المحيط إلى الخليج..

لسان يلهج بالوحدة و لا وحدة

عيون تمسح الفضاء،

و جحافل تلعق الأرض،

لعل كبرياء التاريخ يشفع !

تجري من تحتهــــا الماء،

ولا تصيب منه سوى الظمأ،

و سطوة الشيخ حين يجثو على المآذن،

والمنابر و المقابــر ..

عيون لها امتداد الضوء عبر الماء،

حين تغرق في دموعها،

و اشراقة الربيع،

كلما تنفس الضياء،

و وارى خلف جفون الصبح سواد الليل.

أَمِثلُ هذا التاريخ يُنســى أو يُطْمَس ؟

أَمِثلُ هذا القلبِ المُعطر بالقَنا و السّيف يُدنّس ؟

ما لكـم ؟ !

كيف تحكمون ؟

فإن جارت عليكم العَوادي،

فمنكم تَجُور،

وعليكم إن دارت العوادي

تَــدور ..

لأنكم جعلتم لبني قومكم

أكواخا من قش،

و جعلتــم لأنفسكــم الضيع و القصـور..

فكيف لهذا الحُــرّ ألا يَثور،

وكيف لتجارة زادُهــا

سلعة الأرض و الدين ألا تَبُــور،

وها قد طَفحَ الكَيلُ وفارَ التنّــور !!

يا زمنا يَسُبُّـهُ أهلُــه،

فأثخنُـــوهُ جِـراحــًا،

يَرْجون انصرامَ اليوم قبلَ أمْسِــهِ.

أليس لنا مِنْ غـَـدٍ يَرْقبُنـــــــــا و نَرقُبُــه !

يُلهِمُنــا و نُلهِمُــهُ ..

لا يَشتمنـا و لا نَــشتُمُــهُ !؟

يكفينـا من الأقدار أنهـا

إن ابتغى الحياةَ شعبٌ،

أنـاخَت رِحالها عند أعتابِ الثوار..

و رَسَمَتْ على مَبْسِـــمِ

التاريخ أحلـى الأغنيات،

و تعطّرت بأريــج الشهــداء.

هل من الأقدار أم مِــــــــــــنّــا،

أن نَشُدَّ على الجمر إلى الأبــد؟

أو أن تذهب ريحنــا في كل درب؟

و ينتثِــر سَوادُنـا في كل حَدب؟

هل من الأقدار أم مِـنّـــــا،

هَوانُـنــا على النّـاس،

يا عَربـا باعوا أنفسهم

وهـانــوا..

و استقدموا العِــدا إلى خِذر الوطن .

وسَقَوا الباغيَ خَمرا مُقَطّرَةً

فَمــًا بِفَــم ..

و قَدَّموا أعراضَهم لزُناة الليل

من أعراب و عجــم.

أمــا آن لسَحابٍ أن تَسُوقَــهُ

أحــلام الثوارِ إلى رُبى

هَجَرَتْــها الآمــال،

و باعَدَ بين شِقَّيْــهـا الاقتتــال !؟

أخٌ يذبح أخــاه باسم المُحــال،

والقاتل و المقتول في نشوة الموت يختال..

هذا يرجو الشهادة،

وذاك يرجو العناق و الوصــال !!

كلاهمــا في خسار و بوار..

نفس العار و نفس المآل.

وطني هذا قد كان واحدا

فتعــدّد.

كان حُلما جميـلا فتبــدّد.

ألم يروا أن الواشي يأتي البلاد

ينقصها من أطرافها،

يُهــــدي الغُزاةَ امتــدادَ الأفق،

ومَغيبَ الشمس.

فلسطين بالأمس،

واليوم مصرٌ وشامٌ وعراق و قدس !

وإذا ما أوْغَل الجهل فينا،

و صار الجُبن لنا قرينــا،

قد نُصبح يوما على وَقْــع العدا

في المدينة حينا،

و بمكة حيــنــا..

فقد أقسم الأوغاد اليميــن،

أنهم لبيوت الغدر في خيبر عائدين .

فهل لصدى نعالهم

من وقع في آذان النائميــن ؟

هذا بيان للناس..

فلا يَلومَنّ الزمــانَ أحدٌ من اللائميـــن !!

ما عاث غيرنا في الأوطان أكثر منّا..

ولكن كُنــا نحنُ أول العابثين.

فضاع مفرد الوطن بين غربـة و حنين،

و شعارات لا تُغني عن واقع مَهيــن،

ألا خاب سَعيُ المُهرولين !

ألا خاب سعي المُطَبّـعيــن!!

 

محمد المهدي ــ المغرب

 

 

في نصوص اليوم