نصوص أدبية

هل بكيت يومًا على لبن مسكوب؟

من قال بأن للكمة قوة مطارق الحديد؟ أو بأن لها صوتًا يشبه صوت تدفق الماء وهو ينزلق بداخلي بكل رفق؟

إنها تشبه الأجسام غير المرئية. الذرات والحيوات التي تعبث بعقل الإنسان فتنيره أو تغشى عليه. تغير مجرى الدم في العروق وطعم الماء في الفم وحجم الهواء الذي يملأ رئتيك أو ربما تسلبك الحياة في لحظة!

فيكف يا أسعد لا أبكي على لبن مسكوبٍ؟ كنت أراه السراج في ظلمة الروح والرائحة الزكية في ثياب العزلة والحب الحقيقي حين يتلون فيأبى أن يكون إلا بياضًا.

نعم أبكي. كمن خذلتهم الحياة في منتصف الطريق وصارت خلفهم بمسافات طويلة حتى محيت آثار أقدامهم. فلا الذكريات تشفي، ولا الشكوك ولا القصائد ولا الكلام المنمق ولا حتى صوت ناي حزين. منظر اللبن المسكوب له صوت الصرخة الأخيرة، والحيرة الصامتة، والنداء الغريب.. إنه يحرق فؤادي ويذكرني دائماً بشكل منجل الموت وهو يقول كلمته بضربةٍ واحدة.

أبكي أمام الحليب المسكوب عاجزة عن فعل أي شيء. وكأن الموتى هم من يديرون هذا العالم! ألا ترى بأنهم يتحكمون حتى في منامتك؟ فيأخذونك إلى سماوتهم الشاسعة وأراضيهم العميقة وعوالهم الخاصة. و من حيث لا تدري، يجبرونك للحديث عن قصص ولت وانتهت. لكنها لم تنته بالنسبة إليهم. إنهم يشاركونك الفكرة التي تطاردها والكلمة التي خرجت منك بصعوبة. حتى الحبيبة أو سمِّها إن شئت اللبن الذي اندلق على رخام الأيام. إنهم يحضرون سطل الماء والمنشفة لتغسل روحك وتبكي معهم!

من يواسي فؤاد المحروم إذا تمزَّق وصار خاليًا؟ من يجمع طعم الحلاوة في فم يبس منذ زمن بعيد حتى استحال إلى صخرة مائلة؟!

ألم يكن كأس اللبن في يدي؟

لقد شربني حتى الثمالة وشربتُه. فما الذي بقي منه كي ينسكب؟ أهي أيام الحرب التي أوهمونا بأنها ستمضي سريعًا! أم أن القدر قال كلمته فأرانا رسم خط أيدينا متشابكة؟

وأنت أيها الكأس أما زلت تنزُّ حبًا؟

أقول للدمعة التي تجري :

الحليب بكَ لا الشاي.

القميص بكَ لا الأزرار.

الصوت بكَ لا الموسيقى.

تعال إذًا أسند رأسك على كتفي وابكي معي. فللدموع بقع لا تُمحى ولا تجف.

ألا ترى كيف فعل بنا هذا اللبن؟!

 

بلقيس الملحم/ شاعرة وقاصة

السعودية

.....................

• العنوان مقتبس من أحد تغريدات الصحفي أسعد طه وقد جاء النص منبثقًا منها.

 

 

في نصوص اليوم