نصوص أدبية

هـبـوط إيـنـانـا

يحيى السماويفاحْزمْ فؤادَكَ

واخْلعِ الأمسَ المُقرَّحَ من كتابِ اليومِ

وادخلْ آمِناً غدَكِ الجميلْ


هـبـوط إيـنـانـا / يحيى السماوي

 

شـقّـتْ ظـلامَ الـلـيـلِ " إيـنـانـا " (1)

فـأيـقـظـتِ الـمـرايـا . .

ألـبَـسَـتْـنـي بُـردةَ الـفَـرَحِ الـمـؤجَّـلِ مـنـذ

عـامِ الـهـجـرةِ الأولـى عـن الــمـاءِ الـفـراتِ

وســيِّـدِ الــشَّـجَـرِ الـنـخـيـلْ

*

وعـن الـسَّـمـاوةِ

والـظِـبـاءِ الـفـاتـنـاتِ إذا نـظـرنَ الـى الـغـزالِ :

أسَــرْنَـهُ بـمـصائِـدِ الـطَّـرْفِ الـكـحـيـلْ

*

وحـدي " وقـاسـمُ " كـنـتُ فـي " قـصـر الـغـديـرِ " (2)

مُـهَـرْوِلَـيـنِ وراءَ قـافـيـةٍ

ونُـطـنِـبُ فـي الـحـديـثِ عـن الـبـلاغـةِ والـبـيـانٍ

وسِــرِّ عَـجْـزِ الــنـهــرِ

عـن إرواءِ مـتـبـولٍ تـأبَّـدَهُ الـغـلـيـلْ

*

قـبـلَ انـتـصـافِ الـلـيـلِ :

آذنَ بـالـذهـابِ الـى جـنـائـنِ بـيـتِـهِ الـضَّـوئيِّ " قـاسـمُ "

فـاقـتـرَحْـتُ عـلـيَّ أنْ أبـقـى مـعـي

لأُعِـيـدَ تـرتـيـبَ الـهـمـومِ

عـسـايَ أطـفـئُ مـن حـرائـقِـهـا الـقـلـيـلْ

........

.............

...............

قـبـلَ الـنـداءِ الـى صَـلاةِ الـفـجـرِ :

فَـزَّ الـقـلـبُ ..

صـوتٌ كـالأذانِ أتـى .. أصَـخـتُ الـنـبـضَ ..

مَـنْ ؟

فـأجـابـنـي صـمـتـي :

هــو الــمَــطــرُ الـوبــيــلْ

*

فـانـثـرْ بـذورَكَ

آنَ لـلـصـحـراءِ أنْ تـتـفـيَّـاَ الأيْـكَ الـظـلـيـلْ

*

وتـفـيـضَ غـدرانٌ بـأعـذبِ سـلـسـبـيـلْ

*

ألـقـى عـلـيَّ تـحـيَّـةّ الـعـشـقِ الـخـرافـةِ هـدهـدُ الـبـشـرى

وقـال :

يُـخـصُّـكَ الـزمـنُ الـجـديـدُ بـجـنَّـةٍ

مـن فـوقـهـا تـجـري مـن الأفـراحِ أقـمـارٌ

ويـجـري تـحـتـهـا نـهـرٌ مـن الـقُـبُـلاتِ والأزهـارِ والأطـيـارِ

والـشـجَـرِ الـبَـتـيـلْ (3)

*

فـاحْـزمْ فـؤادَكَ

واخْـلـعِ الأمـسَ الـمُـقـرَّحَ مـن كـتـابِ الـيـومِ

وادخـلْ آمِـنـاً غـدَكِ الـجـمـيـلْ

*

الـيـومَ قـد أكـمَـلـتُ عـشـقَـكَ ـ قـالَ " عـشـقـائـيـلُ " بـاسـمِ الـسـومـريَّـةِ ـ

وارتـضـيـتُـكَ أن تـكـونَ لـيَ الـرَّسـيـلْ (4)

.........

............

مـيـلادُ " إيـنـانـا " الـبـعـيـدةِ بُـعـدَ قـلـبـي عـن يـدي :

مـيـلاديَ الـمـكـتـوبُ فـي الـلـوحِ الـمُـقـرَّرِ قـبـلَ يـومِ ولادتـي

وغـوايـتـي فـي نـشـرِ أشـرعـةِ الـرَّحـيـلْ

*

إصـعَـدْ إلـيـهـا ـ قـال هُـدهُـدُهـا ـ لِـتُـبْـعَـثَ مـن جـديـدٍ :

عـاشـقـاً .. طـفـلاً رضـيـعَ الـلـثـمِ .. مـشـبـوبـاً فـتـىً ..

فـاهـنـأ بـمـيـلادِ الـمـلاكِ الـسـومـريَّـةِ أيـهـا الـشـيـخُ الـجـلـيـلْ

*

كـيـف الـصـعـودُ ـ أجَـبْـتُ ـ مـولايَ الـبـشـيـرَ

الـى جـنـائـنِ ربَّـةِ الـمـطـرِ / الـجـمـالِ / الـحـبِّ " إيـنـانـا " ؟

أنـا الـحَـيُّ الـقـتـيـلْ

*

ســتـقـولُ : كُـنْ فـتـكـونُ ـ قـالَ ـ فـتــصـطـفـيـكَ

لِــمـا أعـدَّ الـلـهُ لـلـمُـتـضـرِّعـيـنَ مـن الـقـطـوفِ

ومـن شــرابِ الـزَّنـجـبـيــلْ (5)

***

هَـبَـطـتْ إلـيَّ إلـهـةُ الـعـشّـاقِ " إيـنـانـا "

فـأشــمَــسَــتِ الـطــريــقَ الـى مـضـاربِ " عــروة بـن الـوردِ "

وابْـتـكـرَتْ لإسـرائـي " بُـراقـاً " فـالـسـمـاءُ قـريـبـةٌ مـنـي ..

وكـنـتُ أُقـيـمُ فـي " قـصـرِ الـغـديـرِ " أمـام جُـرفِ الــنـهــر

في أرضِ الـسـمـاوةِ

يـومَ حَـطَّ عـلـى سـريـري هـدهـدُ الـبـشـرى بـأوَّلِ زخَّـةٍ عـذراءَ

مـن مـطـرِ الـهـديـلْ

*

فـثـمِـلـتُ مـن خـدَرٍ

فـمـا أدري أكـان الـوقـتُ صُـبـحـاً أمْ أصـيـلْ ؟

*

كـلُّ الـذي أدريـهِ أنـي صـرتُ غـيـري :

لـم يَـعُــدُ حَـجَـراً جَـنـاحِـيْ ..

والـسـمـاءُ قـريـبـةٌ مـنـي ..

ولـم أعُــدِ الـيـتـيـمَ ولا الـغـريـبَ عـلـى الـهـوى

وابـنَ الـســبــيــلْ

*

لـلـهِ مـا لـلـهِ

لـكـنْ

مـا لــقــيـصـرَ مـن عــروشٍ لـيْ ..

ولـلـعـشـقِ الـولايـةُ ..

نِـعـمَ دِيـنـاً عـشـقُ " إيـنـانـا "

وأكـرِمْ بـالـخـلـيـلـةِ والـخـلـيـلْ

*

خـلـعَـتْ خـريـفـي

فـارتـديـتُ مـن الـفـصـولِ ربـيـعَ " إيـنـانـا " الـمُــسَــيَّـجَ

بـالـفـصـيـلْ (6)

*

فـإذا بـبـاديـةِ الـسـمـاوةِ واحـةٌ ..

والـنـهـرُ طُـرِّزَ بـالـزوارقٍ ..

والـضـفـافِ تـفـيـضُ بـالــنَّـسَــمِ الـعـلـيـلْ

*

ولـديَّ مـنـذ هـبـوطِـهـا :

مـفـتـاحُ بـابِ الـمـسـتـحـيـلْ

*

تـحـتـالُ " إيـنـانـا " عـلـى قـلـقـي

فـتُـشْـغِـلـنـي بـرشـفِ نـدى زهـورِ الـلـوزِ

والـسـفـرِ الـطـويـلْ :

*

مـا بـيـن فِـضَّـةِ قُـبَّـتـيـنِ وتِـبْـرِ مـهـبـطِ قـرطِـهــا

وقــرنـفــلِ الـشــفــتــيــنِ

والـدفءِ الـمُـشِـعِّ لـذاذةً مـن مُـقـلـةِ الـخـصـرِ الـنـحـيـلْ

*

نـغــفــو فــيــوقِــظــنــا حـريـقٌ نـاعـمُ الـنـيـرانِ ..

نـبـتـكـرُ الـخـصـامَ عـلـى قـطـوفِ الـمَـنِّ والـنـعـمـى

فـيـشـتـبـكُ الـهـديـلُ مـع الـصـهـيـلْ

*

فـانـا بـشُـغـلٍ عـن هـمـومِ الأمـسِ

أقـطـفُ مـا أشـاءُ مـن الـقـطـوفِ الـدّانـيـاتِ

فـحـيـثُ مِـلـتُ :

إلـى يَـديَّ قـطـوفُ " إيـنـانـا " تَـمِـيـلْ

***

 

أديلايد ـ فجر الخميس 14/6/2018

............................

(1) إينانا : إلهة السماء والمطر والحب في الأساطير السومرية .

(2) قاسم : هو صديقي الحميم الشاعر المعروف قاسم والي .. " قصر الغدير " فندق ومطعم ودار استراحة باذخة الأناقة والهدوء اعتدت ارتيادها في السماوة تقع على نهر الفرات بداية شارع النهر الذي يحمل اسم " شارع الشاعر يحيى السماوي " .. المتبول : المرء إذا غلبه العشق وتهيّمه .

(3) البتيل : الفسيلة إذا استغنت عن أمها النخلة وبدأت تصبح نخلة مستقلة .

(4) الرسيل : الفحلُ من الإبل والخيول، ومن معانيه : الرسالة .. ومن معانيه أيضا : المُراسل .. ومن معانيه : شبيه المرء في الأخلاق والصبابة والنضال وما شابه ذلك من صفات إيجابية ـ وهو المعنى المراد في القصيدة .

(5) شراب الزنجبيل : إشارة الى قول الله تعالى عن الجنة : (ويُسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ) .

(6) الفصيل : هو ابن الناقة إذا فُصِل عنها، وهو الفسيلة إذا فُصِلت عن أمها، ومن معانيه : السور أو الحائط المنيع ـ والمعنيان الأخيران هما المرادان في القصيدة .

في نصوص اليوم