نصوص أدبية

ليلة هناك...

استفاق بمنتصف ليلة قاحلة المعالم، لا وجه لها، ولا ضوء فيها، غير أن ومضة انتهت بغبار ورماد ارتفع، تجول، ثم حط برأسه كذكرى مبتورة البداية لا تنتهي أبدا، فــّارة من ميدان معركة، رافقها صوت غير مألوف، له بداية دون أن ينتهي صداه، غير أنه كمَمَ أذناه بيديه فامتصا بعض دوي الصوت ليصفو على صوت ابنه،كان الوالد منهكا يتصبب عرقا،ككل ليلة، جسمه النخر لم يدع لذلك العرق مكانا ليمكث فيه ولو قليلا، كان العرق كالقطر ينزل رويدا على شعر صدره الذي كساه الشيب، غير أن غطاءه البالي كان نصف مبلل، لا ضوء في الأفق فقد انقطعت الكهرباء من زمن، لكن الوشاح الأبيض الذي ظهرت به زوجته على أطراف الفراش، أضفى نورا ملائكيا على المكان، كان سيمشي خطوات بسيطة على أطراف قدميه ليحتضنها، دون أن يحدث صوتا حتى لا يتكاثف مع صوت الصدى الذي يجرح دماغه، كمسمار على رقة حديد، لم يعرف ما جرى له ربما حِمم من نهر حنين كوت صدره حملته إلى هذا التفكير الخاطئ، مشدوها بمدى هذيانه، بعد أن تذكر أن زوجته متوفاة من سنتين، في ليلة حارة من صيف حار كهذا الصيف، أمسك رأسه جيدا بيديه مرة ثانية، فقد أصبح دواءه الوحيد إحكام رأسه جيدا بقطعة قماش، مع إغماض عينيه مرات ومرات، ليتخلص من هذا الواقع الموحش، لكن صوت ابنه الأوسط اللاهث في زوايا رأسه مناديا زلزال، زلزال، مازال يتكرر مرارا ومرار، حتى لم يترك له حجة للبقاء في مكانه متأملا هواجسه مستحضرا موتاه بثياب الجنة، مخضبي الأيدي بالحِنة أو بعض دم فهو لا يميز الأشياء جيدا في مثل هذا الوقت من الليل، قام وركض بجهة ابنه، استقام الولد ودون دراية حمله الوالد بين ذراعيه وذهب إلى غرفة بناته فلم يجد شيئا، جرى عبر الباب إلى السلالم، ثم إلى الخارج، والطفل مازال يبكي بين يديه وفي الشارع نظر مطولا يمينا ويسارا، لا وجود للبشر، هرول في كل الاتجاهات دون هدى، توقف قليلا ووضع باقي جسمه على ضفة الطريق، عانق الوالد ابنه الموجوع للمرة الألف، نطق الولد ما بك يا أبي؟ إنه كابوس...

أجهش الوالد بالبكاء.... لازال يعيد نفس السيناريو من سنتين حين توفيت بناته وزوجته بقذيفة لم يسمع لها صوت إلا صدى وأكوام غبار.

 

الاطرش بن قابل

 

 

في نصوص اليوم